عندما تصبح الدعاية سلاحاً ذا حدّين تأليف: دفيد ويلش - محمد الخولي
ينتمي هذا الكتاب الذي يتتبع بنهج التحليل العلمي
تاريخ الدعاية- البروباغاندا- ينتمي إلى سلسلة فريدة من الدراسات التي تجمع بين الإعلام
وبحوث التاريخ.
ومن أشهر هذه الكتب تلك الدراسة التي سبق إلى إصدارها
المفكر الأمريكي الشهير نعوم تشومسكي وزميله إدوارد هيرمان بعنوان صناعة الموافقة وكتاب
المفكر فيليب تايلور بعنوان ذخيرة العقل فضلاً عن كتاب البروفيسور مير شماير (صاحب
الدراسة الشهيرة عن اللوبي الصهيوني) وقد اختار لكتابه الصادر في هذا الموضوع عنواناً
لافتاً وهو «لماذا يكذب الزعماء».
وعبر الفصول العديدة التي تتألف منها مادة كتابنا
يذهب مؤلفه البروفيسور دفيد ويلش إلى أن الدعاية نشاط يختلف تماماً عن الإعلام.
وفيما يمثل الإعلام نشاطاً يتوخى أهداف التزويد
بالمعلومات ثم التوعية والتثقيف في إطار من الترفيه، فإن الدعاية البروباغاندا- سيف
ذو حدّين، بمعنى أنها قد تخدم في طرح وتعميم وتعزيز قضية ما إلا أنها يمكن أن تؤدي
إلى تدمير ونسف وتشويه قضية أخرى، وهو ما يتم حسب مقصد الذين يمارسون الدعاية.
ومن هنا تميز طروحات هذا الكتاب على سبيل المثال،
بين كتابات روسو وفولتير في فرنسا وكتابات توماس بن في أمريكا وكلها مارست أسلوب الدعاية
من أجل الثورة لصالح الجماهير وبينها دعايات جوبلز وموسوليني، وكانت تحض على الحرب
والصراع والإقصاء ونشر البغضاء بين البشر.
لأن الزراعة هي من أول وأهم اكتشافات الإنسان منذ
وجود البشر على ظهر الأرض، فقد ظلت المعاني والألفاظ تستمد وجودها من واقع عمليات الزرع
ومن أطوار نمو النبات من مرحلة الجذر إلى مرحلة النضوج والتبرعم والاستواء والثمار.
وعندما كان الإنسان العربي قديما يتناول رمحه العزيز
على قلبه فيعمد إلى شحذه بنصل السكين الحاد حتى يصبح الرمح صلباً ونافذاً وقاطعاً كان
الأقدمون يطلقون على هذه العملية من صقل الرماح وتشذيب سنونها اللفظ التالي: «التثــقيــــف».
ومنه اشتق المحدثون لفظة المثقف والثقافة في آدابنا المعاصرة.
هذا ولعل الخيال هو الذي دفع أهل الغرب إلى تصوّر
الثقافة نمطاً من أنشطة الزرع والثمار وفي هذا الإطار احتوت اللاتينية وهي اللغة الأصل
كما هو معروف لمعظم اللغات الأوروبية المعاصرة لفظة بالغة الأهمية وهي:»بروباغــــيت»،
وتعني في اللاتينية طبقات أو مستويات نمو النبات.
ومنها اشتقوا كلمة لا زالت ماثلة إن لم تكن مؤثرة
في عصرنا، وهي: «بروباغاندا» أو الدعاية كما يقول المصطلح العربي المتداول، وهي أيضاً
موضوع ومحور الكتاب الذي نتعامل مع محتوياته في هذه السطور من منظور العرض والتحليل.
دعايات القرن العشرين
الكتاب يضم عدداً من المقالات- البحوث التي كتبها
متخصصون في عالم الإعلام والدعاية، ولكن عكف على ترتيب مادته فضلاً عن المشاركة في
أجزاء من مقولاته واحد من أهم أساتذة الجامعات البريطانية ممن اشتهروا بالاهتمام الأكاديمي
في قضايا السياسة وأساليب الدعاية «البروباغاندا».
وخاصة في القرن العشرين بكل ما احتواه هذا القرن
المنصرم من أحداث جسام لم يكن أقلها مثلاً نشوب اثنتين من الحروب العالمية، ولا كان
أقلها أيضاً نشوء أنشطة الدعاية والإعلام تحت جناح عمليات الاتصال الجماهيري ومن ثم
تطورهما منذ أربعينات خمسينات القرن العشرين باعتبارهما علماً وتخصصاً أكاديمياً قائماً
بذاته.
مؤلف كتابنا هو الأكاديمي الإنجليزي دفيد ويلش وقد
اختار لكتابه العنوان التالي: «البروباغاندا والسلطة والإقناع».
ثم استكمل البروفيسور ويلش هذا العنوان بعبارة توضّح
المدى الزمني للبحث الذي نتناوله فيما يلي من سطور والعبارة تقول: «من الحرب العالمية
الأولى إلى (تسريبات) ويكيليكس».
0 التعليقات :
إرسال تعليق