إصدار جديد للباحث إدريس جندا ري
صدر للباحث إدريس جنداري، عن مؤسسة مؤمنون بلا حدود و
المركز الثقافي العربي، كتاب جديد بعنوان: " من أجل مقاربة فكرية لإشكاليات الربيع
العربي: العروبة – الإسلام – الديمقراطية ". ينشغل الكتاب بمقاربة
إشكاليات فكرية ذات طابع نظري، و في الآن ذاته ينشغل بالراهن السياسي العربي
المنفجر على إيقاع المد الثوري، و يحاول مقاربة بعض أسئلته الشائكة. يتناول
الكتاب، من منظور جدلي يتداخل فيه البعد الفكري بالبعد السياسي، ثلاث قضايا أساسية
هيمنت على النقاش الدائر في الساحة الفكرية و السياسية العربية، و لذلك فقد جاء الكتاب
على شكل ثلاثة فصول متكاملة.
إن الكتاب وهو ينشغل بأسئلة الربيع
العربي، فإنه لا يحضر باعتباره تحليلا سياسيا ينشغل باللحظة و يسعى إلى القبض
عليها إنه، أكثر من ذلك، يسعى إلى التموقع باعتباره مقاربة فكرية تتعامل مع أحداث
الربيع العربي، من منظور جينيالوجي تتحكم فيه شجرة أنساب فكرية حيث تحضر اللحظة
السياسية باعتبارها حلقة في سلسلة تطور ضاربة في أعماق النسق الفكري و السياسي و
الاجتماعي، و كذلك من منظور أركيولوجي لا يكتفي بمعطيات الممارسة العملية و لكنه
يتجاوز ذلك إلى تدشين حفريات فكرية تقود نحو تحديد طبيعة الممارسة السياسية .
من هذا المنظور، إذن، تعامل الكتاب مع مسألة
الوحدة العربية، ليس كمعطى جاهز و لكن باعتبارها مسألة قابلة للمراجعة في ضوء
المعطيات الجديدة التي يفرضها الزمن العولمي, و لعل هذا هو ما قاد الباحث إلى
القيام بقراءة نقدية لتصور الإسلاميين و القوميين للعلاقة بين العروبة و الإسلام
باعتبارها تصورا إيديولوجيا، في الحالتين، فاقدا لروح الممارسة الفكرية المنهجية،
و ضمن هذا السياق استحضر الباحث مفهوم الكتلة التاريخية باعتبارها آلية يمكن أن
تحسم الكثير من الخلافات الإيديولوجية، و ذلك باعتبار أن التشكيلات الإيديولوجية في
الثقافة العربية لا تعبر عن الممارسة العملية بقدر ما هي تعبير عن انشغالات الماضي
التراثي أو حاضر الآخر الغربي، و في نفس الآن يمكنها أن تحسم الكثير من الصراعات
العرقية و المذهبية التي تهدد العالم العربي بالانفجار.
و في علاقة بهذا المنظور الفكري دائما، تعامل
الكتاب مع مسألة الديمقراطية، ليس باعتبارها ممارسة سياسية و حسب و لكن كذلك
باعتبارها تجسيدا فكريا يخضع لمنظومة قيم ضاربة بجذورها في أعماق الثقافة
العربية-الإسلامية. و لذلك، فقد اعتبر الباحث أن تحقيق الرهان الديمقراطي في
العالم العربي، لن يتم فقط من خلال مدّ ثوري يسقط الأنظمة القائمة و يستبدلها
بأخرى، و لكنه يخضع كذلك لممارسة فكرية تكون قادرة على استئصال أورام الاستبداد من
داخل النسق الثقافي العربي.
في الأخير، عرض الكتاب لبعض التحديات التي يواجهها
الربيع الديمقراطي العربي. في علاقة بالداخل، استحضر الباحث التحدي الإسلامي و
خلص، من خلال التحليل، إلى أنه يمكن أن يعيد إنتاج نفس النسق السياسي الاستبدادي
إن لم يخضع لمراجعات فكرية عميقة، و تناول الباحث كذلك التحدي العرقي، و خلص إلى
أنه يشكل خطرا كبيرا على وحدة العالم العربي لأنه ينسجم مع أجندة خارجية تسعى إلى
عرقلة التحول الديمقراطي في العالم العربي. أما في علاقة بالتحديات الخارجية، فإن
أبرز تحدي عرض له الباحث يرتبط بالكيان
الصهيوني الذي استثمر، لعقود، في سلعة الاستبداد، حيث كان يسوق للعالم العربي
باعتباره قلعة استبدادية محصنة، و لذلك فقد كان التسويق للوجود الصهيوني في
المنطقة، باعتباره نموذجا للديمقراطية الليبرالية، ضروريا من أجل المحافظة على
المصالح الإستراتيجية الغربية. كل هذا يجعل الكيان الصهيوني، اليوم، متوجسا من أي
نجاح يحققه العالم العربي، على طريق الديمقراطية، لأنه سيفقده مبرر وجوده في
المنطقة، و هذا ما يشكل خطرا وجوديا عليه، لذلك فإنه لن يقف مكتوف الأيدي في
مواجهته.
و تبقى هذه المحاولة الفكرية حلقة ضمن سيرورة
ممتدة، شكلتها النخبة الفكرية على امتداد أكثر من قرن من الزمن، و هو إذ يسعى إلى
مقاربة مجموعة من الأسئلة الفكرية و السياسية، فهو لا يسعى إلى صياغة أجوبة
نهائية، في الأخير، لأن الممارسة الفكرية هي مجال النسبية، بامتياز، نظرا لما
يؤطرها من خيارات منهجية و مرجعيات فكرية.
0 التعليقات :
إرسال تعليق