«مهرجان بيروت الدولي للسينما».. معجزة البقاء
ووهم الشرق أوسطية
نديم جرجوره
تاريخ المقال: 18-09-2014 01:47 AM
يُثابر «مهرجان بيروت الدولي للسينما» في اجتراح
معجزة البقاء. هذا يُحسب له. يريد الاستمرار. يعاند التحديات كلّها. يصنع مكانة له،
من دون أن يأبه بكل ملاحظة تُساق إليه. لا يكترث بالانتقال المكانيّ. لا أهمية للمكان
عنده. «سوديكو سكوير»، «أبراج» (فرن الشباك)، «أمبير صوفيل» (الأشرفية). لا فرق. يظنّ
أن الأمكنة تفصيل ثانوي عابر. لا بأس. لا يُشكّل هذا التفصيل مأزقاً. الذهاب إلى الـ«داون
تاون» (سينما سيتي أسواق بيروت) ليس عيباً. لكن أمراً أساسياً يمكن أن يُقال: المهرجانات
العريقة ثابتة في مواعيدها وأمكنتها وطقوسها الأساسية. التغيير مُضرّ. يُفقد المهرجانَ
مصداقيته، إذا كان المهرجان مرتبكاً أصلاً في هويته واشتغالاته وأهدافه ومعناه. للمكان
أهمية: الصالات وتجهيزاتها. المحيط بما فيه من مساحات متّصلة بمعنى المهرجان: مقاه،
مطاعم، مواقف للسيارات، إلخ. هناك ما هو مهمّ أيضاً: أن يعتاد «ناس» المهرجان عليه.
على توقيته ومكانه وطقوسه. ليس بمعنى الروتين والتكرار. بل بما هو أعمق: الثبات في
المفاصل الأساسية طريقٌ إلى التنويع والتطوير والبلورة.
ليكن «مهرجان بيروت الدولي للسينما» على صورة صانعيه
ومنظّميه. لا بأس. لا ينفع كل نقاش. ليبقَ كما هو عليه. المهمّ أن يعرض أفلاماً مثيرة
لمتعة المشاهدة. لكن، في ظلّ كل تفلّت، بات الحصول على الأفلام حديثة الإنتاج سهلٌ
للغاية. المهرجانات العريقة ثابتة في عراقتها لأنها تمكّنت من صناعة مصداقية لا تشوبها
شائبة، في التنظيم والإدارة والمصداقية. الغالبية الساحقة من المهرجانات العربية مقيمة
في جاهلية التنظير والثرثرة، وفي «حداثة» التخبّط والارتباكات. العفن المجتمعيّ العربي
ضاربٌ في أصول الفن والثقافة والإنتاج السجالي. مع هذا، هناك من يتعامل مع المهرجان
الدولي للسينما في بيروت من منطلق آخر: مشاهدة أفلام في صالة سينمائية. هل يكفي هذا؟
ربما.
الإعلان عن برمجة الدورة الـ 14 للمهرجان دعوة إلى
الاطّلاع على ما سيُعرض لاحقاً في الصالات المختارة له. اختير فيلم جديد لأوليفييه
أساياس لافتتاح الدورة هذه (1 ـ 9 تشرين الأول 2014)، بعنوان «غيوم سيلس ماريا»
(2014). أما فيلم الختام، فمتميّز بكونه، إلى جانب أمور إيجابية عديدة أخرى، أحد آخر
الأعمال السينمائية الثلاثة للممثل فيليب سايمور هوفمان، المتوفى في 2 شباط 2014 عن
47 عاماً فقط: «أكثر الرجال المطلوبين» (2014) لأنطون كوربان. فيلمٌ منتم إلى عالم
التجسس: شاب مسلم من الشيشان يجد نفسه في قلب صراعات بين أجهزة استخباراتية ألمانية
وأميركية وبريطانية. من يتابع سيرة هوفمان، يعرف أن واجهة المشهد في هذا الفيلم مختلفة
تماماً عن عمقه الدرامي والجمالي والإنساني. فيلم الافتتاح مختلفٌ: «غيوم سيلس ماريا».
في قرية سويسرية اسمها «سيلس ـ ماريا»، تدور فصول الحكاية، ومساراتها. ماريا إندرس
ممثلة يُطلب منها التمثيل مجدّداً في مسرحية جعلتها مشهورة عندما مثّلت فيها وهي في
الثامنة عشرة من عمرها. هناك ما يشي بمزيج المسرح والفن والحياة والذاكرة والمكان.
هناك ما يشي بعوالم مفتوحة على أسئلة وتفاصيل وحكايات.
يستعيد المهرجان مسابقته الرسمية الخاصّة بالأفـلام
الروائية الطـويلة «الشرق أوسطية»، الغائبة عنه دورتين متتاليتين. إصـرار إدارة المهرجان
على تبديل الجغرافيا العربية والشرق أوسطـية مثير للتساؤل عن مغزى هذا التبديل. وقوع
المهرجان في أخطاء عديدة يُمكن احتماله أحياناً. منذ أعوام مديدة، تُدخل الإدارة بلداناً
لا علاقة لها بالجغرافيا. المسابقةُ معنيّةٌ بدول الشرق الأوسط: هل تونـس إحداها؟ هذا
لا علاقة له بالسينما. الفيلمان التونسيان المشاركان في المسابقتين الروائية والوثائقية
مهمّان للغاية. «شلاّط تونس» لكوثر بن هنية محسوب، في مهرجانات أخرى، على الروائي الطويل.
لا بأس. هـو يحـتمل النوعين، الروائي والوثائقي (حكاية شـاب كان «يـشلط» النـساء السـافرات
بسكين، والمخرجة تقوم برحلة سينمائية جميلة بحثاً عنـه أولاً، وبحثاً في المجتمع التونسي
ماضياً وحاضراً أساساً). «بستاردو» لنجيب بلقاضي («السفير»، 5 حزيران 2014) تجـربة
بصرية مثـيرة لنـقاش نقدي منبثق من معنى الصورة في مقاربة المسائل الحياتية الجوهرية،
والتبدّلات الحاصلة. «شلاّط تونس» يختبر الحدّ الفاصل بين الوهم والحقيقة، انطلاقاً
من وقائع وحقائق («السفير»، 31 آذار 2014). فيلمان مهمّان وجميلان ، لكن تونس ليست
بلداً شرق أوسطـياً، تـماماً كالجزائر: «البرهان» لعمور حكار. قصة جزائرية عربية تقليدية:
زواج شاب بأرملة، ومحاولة فاشلة للإنجاب، وثقافة محافظة ومتزمّتة. ربما، لهذا السبب
تحديداً، اعتُبرت الجزائر دولة «شرق أوسطية» (!).
4 أفلام في مسابقة الأفلام الروائية الطويلة،
و7 في مسابقة الأفلام الوثائقية، و17 في مسابقة الأفلام القصيرة. البرامج الأخرى متنوّعة.
لكن، هناك ما هو غامض: ماذا يعني برنامجاً يحمل اسم «جبهة الرفض»؟ بل ماذا يعني أن
يكون هذا البرنامج منقسماً إلى فئتين: «الساحة العامة»، و«أفلام الغذاء والبيئة»؟ أم
أن هذا مرتبطٌ بـ«الشرق الأوسط» الغريب؟
نديم جرجوره لصحيفة المستقبل
0 التعليقات :
إرسال تعليق