التونسيون يتحدون الإرهاب بالموسيقى والسهرات الفنية في قرطاج
لم تمنع العمليات الإرهابية الأخيرة التونسيين من الخروج بالآلاف للاستمتاع بسهرات المهرجان الدولي لقرطاج وعديد المهرجانات المحلية في تحد لزراع الإرهاب والفتن.
اخترنا السهر مع التونسيين ومشاركتهم أجوائهم الصيفية الرائقة رغم ما يلم بالبلد من خوف من الارهاب الذي عشش في بعض المناطق الجبلية المحاذية للشريط الحدودي مع الجزائر ومن تداعيات الحرب في ليبيا على الوضع في تونس، حضرنا حفل الفنان اليوناني ياني كريسماليس والفنان اللبناني مارسيل خليفة.
مع اقتراب المساء تصبح الطريق المؤدية إلى المسرح الأثري بقرطاج تعج بالناس وسط حضور أمني لافت. فعلى بعد 150 مترا من مداخل المسرح تمتد طوابير السهارى من شباب وفتيات وعائلات بأكملها تخرج لتتمتع بالعروض الموسيقية المبرمجة في نطاق الدورة 50 لمهرجان قرطاج الدولي والذي يستمر حتى 16/08/2014. وبتنوع العروض يتنوع الجمهور.
الاقبال على الحفل الموسيقي لـyanni تم أمام شبابيك مغلقة وحضور جماهيري فاق كل التوقعات، وأمام نفاذ التذاكر المعروضة للبيع برمجت إدارة المهرجان حفلا ثانيا نفذت تذاكره أيضا.
ورغم أن الحفل جاء بعد أربعة أيام من حادث الهجوم على نقطتين قارتين للجيش في جبال الشعانبي (غرب تونس) والذي راح ضحيته 15 عسكريا وخلف موجة من الغضب والحزن والحداد على أرواح الجنود دام لمدة 3 أيام.
ورغم الإحساس بالوجع الحزن والألم اثر سقوط الجنود في المرتفعات الغربية، خرج آلاف التونسيون للسهر وحضور حفلات الموسيقى في رسالة واضحة أن حب الحياة لديهم أقوى من الخطر الارهابي الذي بات يهددهم والذي تنامى بعد الثورة مع صعود التيارات الاسلامية وتضاعف مع عدم الاستقرار المتواصل بليبيا.
رفض لتغيير نمط المجتمع التونسي
وصلنا إلى مدرجات المسرح الاثري، لامكان يبدو شاغرا فقد احتلت الجماهير كل الأماكن. حاولنا المرور بين مجموعات الشباب والفتيات الذين حملوا معهم ما لذ وطاب من المشروبات والحلويات. تحدثنا إلى الشباب والفتيات عن خروجهم للسهر وحزن البلد على جنوده ما يزال حيا. أكد أغلبهم أن الإرهابيين ممن اتخدوا من بعض المغاور في الجبال سكنا وملجأ يريدون أن يغيروا نمط المجتمع التونسي الذي ألفوه. وقالوا أن الرسالة التي يقدمونها اليوم وهم يحتفلون بالموسيقى هي أن حبهم للحياة أكبر من الخوف الذي يحاول بعضهم أن يغرسه فيهم.
ويقول زهير شابي، استاذ ترافقته زوجته للحفل في تصريح لـ DW عربية، "استمتعنا بالعرض وقد عشناه وكأنه حلم جميل". ويعتبر زهير أن الجمهور كان في الموعد وهو على حد تعبيره "دليل على أن التونسي مقبل على الحياة وحاضرا كالعادة في المواعيد الفنية الراقية".
ويبدو أن عديد التونسيين يعون جيدا أن الثقافة هي الخندق الأول لمحاربة الارهاب والتطرف والعصب الفكري. ويشير الشابي إلى"أن الإرهابيين يستهدفون الأمن والجيش ولكن أيضا الثقافة والفنون وحب الحياة"، ويضيف "أن من يخرج ليسهر في المهرجانات يعبرعن تشبثه بالحياة وبوحدة الصف وبتجانس النسيج المجتمعي التونسي. وإن الإقبال على الحفلات، اقبال على الحياة والثقافة وصد لكل محاولات تغيير النمط المجتمعي وفرض الأفكار الرجعية".
الفن يتحدى الإرهاب
ويعتبر كثيرون أن الفنون تساهم في تحصين المجتمع ضد الارهاب والتعصب، إذ الفن شكل من أشكال المواجهة ضد الأفكار الظلامية والتصورات البدائية للحياة الإنسانية. ويرون أن مواجهة الارهاب فكريا يجب أن تتم بالتوازي مع مواجهته أمنيا وعسكريا.
وإن طرح البعض مسألة إلغاء الحفلات احتراما لذكرى الشهداء من الجنود فإن البعض الآخر يرى في ذلك تحديا للإرهابيين. ويرى زهير الشابي "أن إلغاء الحفلات لا يخدم غير مصلحة الإرهابيين" ويعتبره ذلك تطبيعا مع كل أشكال التخلف والخوف، فحضور الحفلات حسب رأيه "شكل راقي من أشكال المقاومة وجبهة من جبهات الحرب على التخلف الفكري والارهاب".
وشهد حفل مارسيل خليفة هتافات وشعارات سياسية رددها الجمهور العريض الذي غص به المسرح الاثري بقرطاج. فقد نادى الجمهور طويلا بحياة تونس وبسقوط الإرهاب في رسالة واضحة وتعبيرا عن رفض المجتمع للتهديدات التي باتت تمثلها فئة تحمل أفكارا متطرفة. فقد هتفت الجماهير طويلا بشعار "تونس حرة حرة والارهاب على بره". وهو شعار رفع أيام الثورة ضد حزب التجمع المنحل ووقع فقط تغيير كلمة "تجمع" ب"إرهاب" وكأن الشعب التونسي يبرز أنه غير اتجاه حربه واختار الحرب على الإرهاب بدل الحرب على بقايا النظام السابق.
ويعد حضور الجمهور التونسي بالمهرجانات الصيفية التي تنتظم بمختلف الجهات بعد الحوادث الإرهابية التي وقعت أواخر رمضان رسالة ذات دلالات كبرى كون التونسي محب للحياة والفنون لا يرهبه شيء. وقد غنى الجمهور مع الفنان اللبناني أغانيه المعروفة التي أداها بنفس المسرح ما قبل الثورة ورددوها في تفاعل كبير جعل الفنان يترك المصدع للجمهور.
ويقول من تحدثنا إليهم من الفتيان والفتيات الساهرين بالحفل أن للفن رسالة نبيلة على مر العصور وأنه اليوم يحمل رسالة تحدي للخوف والإرهاب الذي يتهدد بلد بأكمله بل منطقة بأسرها. وتعتبر ريم وأختها الطالبتين بالجامعة التونسية في حديث خاطف مع DW عربية أن "الإرهاب آفة من آفات التخلف الفكري وزراعة خبيثة رعتها بعض الجهات العربية وأنها باتت تهدد مكاسب البلد وخصوصا نمطه المجتمعي ومكانة المرأة فيه."
ولا يختلف النقاد مع ما يراه المواطن، إذ يعتبرون أن الفنون والثقافة هي أدوات لمجابهة الفكر السلفي المتطرف، وهي كذلك أول ضحاياه إذا ما استفحل في مجتمع ما، إذا أن أول ما يستهدف الإرهابيون في أي بلد يسيطرون عليه فنانوه ومثقفوه ومعالمه الفنية والأثرية.
0 التعليقات :
إرسال تعليق