هى سيدة روايات الجريمة والغموض بلا منازع، رغم مرور أربعين عاماً –تقريبا- على رحيلها إلا أن اسمها لايزال حاضراً بقوة في المشهد الروائي العالمي بوصفها أفضل من كتب الروايات البوليسية ذات الحبكات المثيرة والمشوقة.
أصبح اسمها مرادفاً للغموض والألغاز والجريمة بفضل عدد كبير من الروايات والمسرحيات والقصص القصيرة التى كتبتها منذ عام 1920 و حتى قبيل وفاتها عام 1976. عن أجاثا كريستى Agatha Christie نتكلم..
ولدت “أجاثا كريستي” في بريطانيا عام 1890 لعائلة من الطبقة الوسطى، بأسم (Agatha Mary Clarissa) . عاشت طفولة سعيدة، وحيدة، ولم تلتحق قط بالمدرسة إذ تلقت تعليمها في المنزل تحت إشراف والدتها..
وبدأت حينذاك بقراءة قصص الأطفال وتعلقت بها تعلقاً شديداً إلى درجة تفضيلها مرافقة الكتب على اللعب مع أقرانها. قامت والدتها بلعب دور كبير فى تنشئتها وحثها على فعل ما تجيده، ووالدتها هى أول من أقترح عليها ان تمارس الكتابة حينما كانت “أجاثا” الصغيرة مريضة..
عندما بلغت 11 عاماً توفي والدها، وبعد عام من رحيله انتقلت إلى جنوب أفريقيا للعيش مع زوج والدتها الجديد. ومكثت هناك ثلاثة أعوام قبل أن تنتقل إلى باريس لتتلقى دروساً في الموسيقى. بينما كانت مصابة بالبرد جربت كتابة أولى قصصها القصيرة، وكانت بعنوان «بيت الجمال»، ثم كتبت روايتها الأولى بعنوان «الثلج في الصحراء» لكنها لم تنشر بعد رفض دور النشر لها بسبب ضعفها الفني.
محاولاتها الأولى للكتابة الجادة بدأت عند عودتها لبريطانيا عام 1910 حيث شاركت في تأليف بعض المسرحيات والقصائد الغنائية. كما شغفت حينها بقراءة مغامرات المحقق “شرلوك هولمز” التي كتبها البريطاني “آرثر كونان دويل“.
ظلت رغبة الكتابة تراودها كثيراً لكنها تأجلت بسبب زواجها من الطيار “إيريك كريستي” عام 1914 وهو من حملت أسمه الى آخر عمرها. استمر زواجها أربعة عشر عاماً حيث تطلقت منه في نهاية الأمر بسبب إهماله لها وارتباطه بامرأة أخرى.
في نفس العام 1914 تم إرسال زوجها إلى جبهة القتال في فرنسا في الحرب العالمية الأولى، بينما تطوعت هي لإسعاف الجنود المصابين في أحد المستشفيات البريطانية، وقد استفادت من تجربتها التطوعية التي استمرت حتى نهاية الحرب.
واقتبست كثيراً من أفكارها وهمومها من هذه التجربة الإنسانية، ولعل أهم فائدة هي أنها استوحت شخصيتها الرئيسية (المحقق هيركول بوارو- Hercule Poirot) من اللاجئين البلجيكيين الذين نزحوا إلى بريطانيا خلال الحرب بعد الغزو الألماني لبلادهم.
المحقق “بوارو”، المهووس بالنظام والترتيب، الأنيق والمعتد بنفسه وكرامته وشاربه جدا!. المحقق الذى كان يتمنى ان يكون “البيض” مربع! بحسب ما وصفته أجاثا كريستي في أكثر من رواية، هو محقق جرائم بارع وذكي، يحمل الجنسية البلجيكية،
وقد ظهر في أول رواية تنشرها رسمياً، عام 1920، بعنوان: العلاقة الغامضة في ستايلز The Mysterious Affair at Styles التي تم قبول نشرها بشرط أن تغير النهاية.
روايتها الثانية نشرتها عام ١٩٢٢ بعنوان: العدو الغامض The Secret Adversary وقد احتوت على محققين جديدين هما تومي وتوبينسي. وبعد أن نشرت أربع روايات أخرى، تعرضت حياتها لهزة عاطفية تمثلت في طلب الطلاق الذي تقدم به زوجها في عام 1926 بعد ارتباطه بامرأة أخرى..
ولصدمتها من هذا الطلب، غابت أجاثا عن منزلها، لفترة 10 أيام. اختفت تماماً تاركة خلفها رسالة تقول إنها ذاهبة إلى ولاية يوركشاير، ولم يعثر لها على أثر.
تمثل هذه الأيام العشر لغزاً في حياة أجاثا كريستي لم تكشف عن تفاصيله لأحد، ولولا الحملة المكثفة التي تم إعدادها للبحث عنها والتي شارك فيها ألف شرطي وخمسة عشر ألف متطوعاً من بينهم الكاتب السير “آرثر كونان دويل” نفسه، لربما اختفت أجاثا للأبد.
إلا أنه تم العثور عليها في نهاية الأمر في أحد فنادق يوركشاير تحت اسم «الآنسة نيلي» وهي كنية عشيقة زوجها. وقد تطلقت رسمياً من زوجها عام 1928.
وبعد عامين من الطلاق التقت أجاثا ذات التسعة وثلاثين عاماً بعالم الآثار ماكس مالون الذي يصغرها بثلاثة عشر عاماً وأحبته وتوجت علاقتها به بزواج طويل بدأ عام 1930 حتى وفاتها عام 1976.
ومنحها زواجها هذا فرصة زيارة دول الشرق الأوسط والاطلاع على مواقعها الأثرية النادرة وقد وثقت هذه التجربة في عدد من رواياتها الشهيرة مثل رواية “جريمة قتل في قطار الشرق السريع” ورواية “جريمة في بلاد الرافدين” ومن أقوالها:
عندما اندلعت الحرب العالمية الثانية تطوعت أجاثا للعمل في قسم الصيدلة في أحد مستشفيات الحرب التي أعدتها الحكومة البريطانية لجنودها الجرحى، ومنحها هذا العمل معرفة وخبرة بالعقاقير والسموم استفادت منها في رواياتها اللاحقة.
كما استفادت من أجواء الحرب لكتابة قصة بعنوانN or M عام 1941 قامت على إثرها “وكالة الاستخبارات البريطانية” بالتحقيق معها للاشتباه بأنها جاسوسة للقوات النازية، واستغرق التحقيق أكثر من عام، وتم صرف النظر عن القضية لعدم توفر الأدلة.
لم تتوقف أجاثا عن كتابة الروايات منذ أن بدأت عام 1920، حيث استمرت بنشر أعمالها عاماً بعد عام، رغم كل الظروف التي مرت بها، إلى جانب كتابتها لقصص قصيرة ولمسرحيات ناجحة، ومنها مسرحية «مصيدة الفئران» التي لا تزال تعرض إلى اليوم؟!! في المسارح البريطانية منذ انطلاق عروضها في خمسينيات القرن الماضي؛ كأطول فترة عرض في تاريخ المسرح العالمي.
في عام ١٩٧٥ وبينما هي تعاني ضعفا في صحتها قامت بمنح حفيدها الوحيد “ماثيو” حقوق عرض مسرحية «مصيدة الفئران» إلى جانب مسرحيات وروايات أخرى، وذلك قبل عام من وفاتها في بريطانيا عن عمر ٨٥ عاماً. ولا يزال حفيدها مسؤولاً عن إرثها الأدبي الكبير عبر إدارته لمؤسسة تحمل اسمها، وبالطبع هو مليوينر بسبب أرباح الأعمال وحقوقها الأدبية..
تميزت “أجاثا كريستى” بالحبكات الفريدة فى كتابتها، وإضافة بعض الوقائع الحقيقية والشخصية بداخل الرواية، مع تغيير الأسماء والتفاصيل. طرق الإستنتاج المنطقية التى قالتها على لسان “بوارو” أو “الأنسة: ماربل” طرق فريدة من نوعها، أعتمدت على الغموض والأسرار ضمن سياق السرد لتبقى القارئ متشوق للنهاية.
أعترف أنى فى صغرى كنت أعرف حل آى لغز من منتصف الرواية، لكن ظلت روايات أجاثا كريستى إستثناء كبير، فلم أكن أعرف الحقيقة أو الحل إلا فى آخر 10 صفحات من الرواية.. أعترف كذلك اننى حزنت للغاية لمصرع “بوارو” أو للدقة إنتحاره بسبب مرض مزمن، فى رواية “الستار” التى ترجمها المبدع..د/ أحمد خالد توفيق..
زارت الكاتبة “مصر”، شغفت بها ودرست حضارتها وتاريخها وكتبت الرواية المعروفة “موت على النيل” التي حولت إلى مسرحية عام 1946 بعنوان “جريمة قتل على النيل”. لا يعلم الكثير انها كتبت أيضا الروايات العاطفية والرومانسية، كتبتها بأسم مستعار “ماري ويستماكوت Mary Westmacott”..
واستمرت في كتابة رواياتها غير البوليسية مستخدمة هذا الاسم إلى عام 1945، حين كشفت للصحفيين أنها والكاتبة “ويستماكوت” شخص واحد. ومن أهم الأعمال التي كتبتها تحت هذا الاسم المستعار رواية “غائب في الربيع ” Absent in the Spring (1944)
تقول عن محاولتها الأولى للكتابة، “قضيت عدة سنوات أكتب قصصاً قابضة للصدر.!! يموت معظم أبطالها.!! كما كتبت مقطوعات من الشعر ورواية طويلة احتشد فيها، عدد هائل من الشخصيات بحيث كانوا يختلطون ويختفون لشدة الزحام، ثمَّ خطر لي أن أكتب رواية بوليسية، ففعلت واشتد بي الطرب حينما قبلت الرواية ونشرت، وكنت حين كتبتها متطوعة في مستشفى تابع للصليب الأحمر إبان الحرب العالمية الأولى”. .
بقى ان نشير الى اللغة السهلة البسيطة التى كتبت بها رواياتها، والتى تقترب من لغة الشارع. بجانب دمج خبراتها الحياتية –الثرية- داخل الأحداث والإبتعاد عن الحذلقة اللغوية والإنحياز الى الخير ضد الشر كمنظور أخلاقى مقصود. كل هذا ساعدها على الإنتشار بين جمهور كبير جدا من القراء من مختلف الأعمار والبلاد.
0 التعليقات :
إرسال تعليق