صدر للشاعر صلاح بوسريف، ديوان شعري جديد «إبر عمياء
لا تخيط إلاَّ الريح يليه معراج الشَّراب»، عن دار التوحيدي للنشر. الديوان يضم عملين
شعريين، هُما عبارة عن نصين طويلين، يختلفان في رؤيتهما، وفي طبيعة الاشتغال النصي
الذي يقتحم فيه بوسريف شعرية الصورة من خلال المزج بين الشعري والنثري، سعياً وراء
بناء أفق جمالي تصير فيه المسافة بين لغة للنثر ولغة للشعر، ذائبة، وغير ممكن تمييز
النثري فيه، من خلال سياق النص، عن الشعري، أو النظر للغة باعبارها لغة للنثر وأخرى
للشعر، كما يقول بوسريف نفسه.
كما يشتغل صلاح بوسريف على مفهوم العمل الشعري،
ووضع الدوال في مواجهة بعضها، وبينها الميل للكتابي في مقابل الشفاهي، وهذا هو المشروع
النظري الذي يعمل عليه بوسريف في تجربته الشعرية.
نقرأ في الديوان:
هَلْ ثَمَّةَ طَرُقٌ أُخْرَى يُمْكِنُ اخْتِلاقُها
لِيَمُرَّ الهَوَاءُ خَفِيفاً
بِنَفْسِ خِفَّةِ الشِّرَاكِ الَّتِي لَفَتَتِ انْتِبَاهَ
الثَّعَالِبِ ؟
لَيْسَتِ الغَابَةُ مَنْ نَزَعَتْ عَنِ الشَّجَرِ
ظِلالَها
قِيلَ؛ إنَّ فَتِيلاً أَفْضَتْ بِهِ شُعَلٌ عابِرَةٌ
هُوَ ما أَتَى عَلَى وُجُورٍ كَانَتْ نِمَالٌ ضَرِيرَةٌ
حَفَرَتْها لِتَمُرَّ مِنْها الشَّمْسُ،
أوْ حِينَ يَكُونُ الغَيْمُ ضَافِياً،
يَرْوِي تَعَبَ الأَشْجَارِ.
الديوان الثاني، هو «بلدٌ لا أين له»، وهو مختارات
شعرية للشاعر، ضمت مجموع الأعمال التي أصدرها صلاح بوسريف، منذ الثمانينيات من القرن
الماضي، إلى اليوم، مع استثنائه لشرفة يتيمة في جزئيها. قدَّم لهذه المختارات الناقد
نجيب العوفي بدراسة، عنونها بـ «صلاح بوسريف: فن تطريز الكلام»، وفيها يقول:
ففـي مقابل الغزارة اللاَّفِتَة فـي العطاء الشِّعـري
والأسماء الشِّعرية، بدت " القيمة الشِّعرية "شحيحة وباهتة في هذا العطاء،
إلا فيما نذر، والأمر راجع في الأساس، إلى شح وكسل الإحساس باللغة، والعناية باللغة،
في النماذج الكاثرة من هذا العطاء.
فالشِّعر، كما هو معلوم، لغةٌ مُقَطَّرَة من اللغة.
وفي كل قصيدة عظيمة، قصيدة ثانية، هي اللغة كما قال مالارميه.
ومنذ البدء، كانت اللغة هي الشُّغل الشَّاغِل لصلاح
بوسريف، وهي الرٍّهَان الأساس في تجربته الإبداعية، سواءٌ أكتبَ شعراً أم نثراً.
من هنا كانت نصوصُه الشِّعرية والنثرية معاً، بلُغَتِها
الأنيقة المَسْبُوكَة، بمثابة نَسْمَةٍ بَلِيلَةٍ تَهُبُّ على حقلنا الشِّعري، وتُعيد
للكتابة الشِّعريَة بعض روائها وبَهَائِها.
عندما طلع علينا بوسريف في الثمانينيات، كان فيه
شيءٌ من " الأدونيسية "، يسكن ذاكرتَه ويُلابِسُ لغتَه، وأدونيس كان سيِّد
المرحلة.
لكن مع توالي الأيام وتَنَاسُل الكلام، حَطَّ بوسريف
على أسلوبه الخاص الذي ارْتَضَاهُ لنفسه، ونَبَعَ صوتُه من صميم لَهَاتِهِ وحُنْجُرَتِه.
والأسلوب دَوْماً هو الرجل، كما قال بوفون.
0 التعليقات :
إرسال تعليق