الكتاب الرقمي ليس هو الكتاب الورقـي بالمطلق.
فهو ضد الكتاب (anti-livre) أو شبه كتاب (pseudo-livre).
الكتاب الورقي كان تطويرا وتجاوزا للطرس، للقرطاس،
للجلد، للحجر لسند ما. الكتاب الرقمي قطيعة لا رجعة فيها مع الكتاب الورقي.
مثلها هي السيجارة الرقمية مع السيجارة الملفوفة. لهذه الأسباب :
1- الكتاب الرقمي يُكتب في بُعد حسابي ينطلق من 0 إلى 1 وهو
بُعد افتراضي. ويمكن تكرار الكتابة في هذا البُعد إلى ما لا نهاية بل يمكن اختراق
هذا البُعد بنفس البُعد (0-1) إلى ما لانهاية. الشيء الذي يسمح بالتصحيح إلى ما لا
نهاية ونسخ النسخ إلى ما لا نهاية والإرسال في الآن والتخزين في الآن وإلى ما لا
نهاية له.
ü كل هذه الخصائص
والامتيازات لا علاقة لها بالكتاب الورقي. بُعد هذا الأخير واحد زمكاني، تكراره
محدود. الاختراق يُفسدهُ، والتصحيح يحوله إلى مسودة...
2- الكتاب الرقمي كتاب افتراضي. لا وجود مادي له
من جهة. لكن له وجود خائلي : لا هو خيالي بالمعنى التقليدي ولا هو وهم بالمعنى
السيكولوجي للوهم. فهو كتاب حين تُريده تحصل عليه في بُعد بين 0 أو 1 وحين لا
تريده يختفي في نفس البعد في لا بُعد واقعيا. فهو عالق هاهنا في الشبكة في الحاسوب
في المفتاح في القُرص...
ü الكتاب الورقي
واقعي. وجوده مادي. تريده أو لا تريده فهو في زمكانه.
3- الكتاب الرقمي كتاب مفتوح دوما نافذة أو ملف يمكن
إيقافه دون إغلاقه نهائيا، وحتى إغلاقه لا يُنهيه. يمكن إغناؤه والإضافة إليه وتعديله
والتقديم والتأخير فيه دون المساس به. فهو كتاب قابل للتجديد باستمرار. يمكنه أن
يبقى هو هو كما يمكنه أن يتحول إلى شيء مختلف آخر.
ü
الشيء الذي لا يمكن حصوله مع الكتاب الورقي. فهو مغلوق تام نهائي. اللهم في طبعة
ثانية أو أكثر. كل مساس بورقة يتلف الكتاب ومضمونه، لا يمكن تجديده إلا بطبعات
فريدة ومنقحة تخضع للزمان والتكلفة.
4- الكتاب الافتراضي ما أن يُفترض حتى يغدو كونيا رغم
اللغة لا يعرف الحدود الجغرافية، اللهم تلك التي تم وصدها (إيران مثلا) أو
تشفيرها ومع ذلك هناك منافذ عدة يمكنه أن يتسلل من خلالها.
ü الكتاب الورقي
محلي تحدُّه الجغرافيا، وتضغط عليه. لكي يصل الكتاب الورقي من الأردن إلى الدار
البيضاء المرفئ يحتاج إلى شهور.
5- الكتاب الافتراضي يخضع لوحدة القياس في المعلوميات
تسمى بيت وهي عدد ثنائي 0 أو 1 وهو ليس بعدا في واقع الأمر إنما هو الكم الأولى
للمعلومات. شبيه بثنائية صحيح أو خاطئ في المنطق وثنائية هنا أو هناك في الفضاء ومشتغل
منطفىء في العداد وأبيض أو أسود في البصريات وشمال جنوب في الجغرافيا.
ü
الكتاب الورقي هو طبع ونسخ ورقي لمعلومات البيت.
6- الكتاب الرقمي تحقيق رقمي (0 أو 1) لمشروع غوتنبرغ
(بدأ في القرن 14) مع اكتشاف المطبعة ووضع
حروفها المطبوعة على الخشب أو الحديد. ميكائيل هارت في سنة 1971 هو أول من بدأ
برقمنة الكتب الورقية وكان أول كتاب .حظي بهذا السبق هو كتاب الإعلان عن استقلال
الولايات المتحدة الأمريكية بعد ذلك تناسلت المواقع وتعددت لنقل ركام الكتب إلى
الفضاء الافتراضي..
7- الكتاب الرقمي يخضع للقانون والتوثيق
والبيبليوغرافيا.
هناك قوانين دولية وقطرية تقنّن تداول المعلومة، وحق
الملكية، وهناك توثيق يشير إلى المؤلف، ومصدر مقاله أو كتابه ورقمه وكيفية التعرف
عليه.. كما هناك بيبليوغرافيا تؤطر الكتاب في سياقه التاريخي وتبويبه الجنسي...
ü
فهو مثل الكتاب الورقي تقريبا. إلا أنه يمكن استغلال كل هذه الترتيبات أو التحايل
عليها وتجاوز سلطة الناشر أو لجنة القراءة لإصدار كتاب افتراضي : بأقل التكلفات،
وبأسرع وقت، وبثه وتقاسمه عبر العالم بدل توزيعه وإهدائه بين الأصدقاء.
8- الكتاب الرقمي يمكن التحكم في إمكانية الاطلاع عليه
كليا أو جزئيا، أو الاطلاع فقد على ملخص منه أو إشهاره والدعاية له كما يمكن عقد
جلسة "شات" بصدده لمناقشته وتقويميه فوريا آنيا أو بعديا عبر أشكال اللقاءات الوسائلية المختلفة
(فايسبوك) تويتر، يوتوب..) بالكلمات فقط أو مرفوقة بالصور (الحية أو الصامة..)...
ü
الشيء الذي لا يسمح به الكتاب الورقي.. فهو من " ممنوع تصفيحه " وذلك
بلفّه في البلاستيك بحيث لا يمكن الاطلاع على محتوياته، اللهم من خلال خلاصة
"بئيسة" في آخر صفحة الغلاف. أما عقد جلسات للنقاش والقراءة "فما هي وما لونها". ناهيك عن
التوترات الناجمة عن الإقبال والتلقي و... التوجس والخوف من الإحباط في التواصل..
الخ...
طبعا لا تخلو الرقميات من نواقص :
s
فهي تتوقفُ كميا على التيار الكهربائي (أو الطاقة).
s
وتتوقفُ على إدارة المواقع (غوغل، ماكروسوفت، تويتر...).
s
ويتهددها الفيروس دوما. فهو أكثر فتكا من السوسة التي تنخر الكتب الورقية القديمة. .
"كتاب الافتراضات" هو أول كُتبي الرقمية. من
مبثوثات مجلة اتحاد كتاب المغاربة الالكترونية لعبدو حقي . سُمّي كذلك لسببين :
الأول يعود إلى الفيلسوف اليوناني سيكستوس أمبريكوس. له العديد من الكتب كلها تحمل
اسم " كتاب كذا " ككتاب الرياضيين وكتاب
الفلاسفة، وكتاب الافتراض.الثاني يرجع الى طبيعة الكتاب فهو افتراضي وليس ورقي لذا
بُنيّ هذا الكتاب على فكرة الافتراض. ففي بداية كل مكون من مكوناته (الثلاثة) نعثر
على صيغة من صِيغ الافتراض : من المفروض، يفترض، لو فرضنا.. على افتراض، من باب
الافتراض، فرضا إلخ..
يتضمن الكتاب ثلاثة من المكونات ومقدمة وهو بدون خاتمة.
في المقدمة أشرح وأشير إلى هندسة الافتراض.
في المكون الأول : ألاحظ أننا أمة عبوسة متخاصمة مع ذاتها.
أمة لا تضحك. لذا أفترض أن قراءة كتاب هنري برغسون (الفيلسوف الفرنسي) كتبه سنة
1900 ضرورية لنا الآن حتى ننتبه لهذه الجائحة التي ألمت بنا.
في المكون الثاني : أفترض أن قراءة استطيقا هيجل والوقوف
على مفهوم الجمال والعظيم والعقل.. يمكنها أن تساعدنا على فهم بعض اللوحات الفنية
للفنان جمال بوطيب (تجدون اللوحات بكل رونقها في الصفحات الرقمية وهي ستة). هذا من
جهة.
من جهة أخرى، أفترض أن القراءة النقدية للشعر بحياة
الشاعر أوظروفه أو حساسيته أو مدرسته ليست نقدا. إنما النقد الحقيقي هو الذي يقرأ
القصيدة بالقصيدة يفككها ويعيد بناءها. هذا ما خلته في قصيدة الشاعرة مليكة العاصي
: حتما سيعود.
مكون التربية في الكتاب.. يفترض أن بؤس القيم في المدرسة
المغربية يعود إلى العنف المدرسي لأن المنظومة المدرسية لا تحترم كرامة التلميذ.
كما يفترض أن
للفلسفة نظرية خاصة للتربية سواء في الثانوي أو الجامعي. يمكن تلمس ملامحها لدى
أفلاطون، لدى نيتشه لدى ديريدا لد ليوطار...
كما أفترض أنه يمكن القول لولا اليهود لما كان للفلسفة
من وجود فن فيلون اليهودي القديم إلى الآن.. وكنت أخشى صهنية الفلسفة. لكن لو
تجاوزنا آلان فيلكانكروت وBHL (برنار هنري ليفي) يجوز لنا أن
نفترض وجود أسماء شريفة تتعاطى للفلسفة بتجرد إلى حد رفض كل تسلط وعنصرية وتطرف
صهيوني من بين هذه الأسماء جوديت باطلر حاليا.
وآخرا وليس أخيرا؛ أفترض أن الربيع العربي دعوة للأنوار.
لذا نحن دائما في حاجة إلى قراءة وإعادة قراءة المقال القصير الذي كتبه كانط تحت
عنوان ما الأنوار ؟ وترجمتهُ وإعادة ترجمته كل
التعليقات التي أُنتجت حوله كتعليق وتحليل ميشيل فوكو مثلا.
وليس هناك خاتمة لكتاب الافتراضات هذا؛ لا لأنه يجب أن
يبقى مفتوحا لاغتنائه والزيادة فيه.. فهو ليس ورقيا حتى يحتاج إلى مثل هذا
الانفتاح إنما هو رقمي يفتح دوما فيما بين 0-1.. إنما لأن الافتراضات لا تنتهي./.
0 التعليقات :
إرسال تعليق