«مقبرة براغ» رواية جديدة لإيكو بترجمة خضير اللامي


تتناول تفكيك الكراهية بين الأمم
بغداد ـ صفاء ذياب
احتفاءً ببغداد عاصمة الثقافة العربية، صدرت عن دار الشؤون الثقافية رواية جديدة للكاتب الإيطالي إمبرتو إيكو بترجمة خضير اللامي. الرواية التي صدرت باللغة الإنكليزية في العام 2011، وطبعت سبع طبعات، وبيع منها ملايين النسخ في ايطاليا والمانيا وفرنسا والولايات المتحدة الأميركية، تعد الرائعة الأدبية الثانية لايكو بعد روايته الشهيرة "اسم الوردة".
اليهود وتزوير التاريخ
وفي حديث خاص لـ"الصباح" مع مترجم الرواية خضير اللامي، تحدث عن أهميتها بالنسبة للقارئ العربي، مقارنة بروايتي إيكو السابقيتن "اسم الوردة" و"بندول فوكو"، قال اللامي: هذه الرواية، كتب عنها كثير من النقاد الغربيين بعد صدورها نهاية العام 2011، ورأى البعض منهم أنها تجاوزت "اسم الوردة" لأن ثيمتها تحددت في البحث عن دهاليز التاريخ المسيحي وتزوير بعض الكهنة لهذا التاريخ، ومن ثمَّ نكران السيد المسيح، بينما ثيمة رواية "مقبرة براغ" تتحدث عن تاريخ الغرب في القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين ودور اليهود في تزوير مثل هذا التاريخ والتآمر على مسار تاريخ البشرية وحصره على وفق مخططاتهم الجهنمية لتغييره. هنا، في رواية "مقبرة براغ" يحاول إيكو، تفكيك مفاهيم وآليات الكراهية بين السلالات والأمم والأقوام عبر التاريخ وراهنه وبخاصة ما كانت تمور به نهاية القرن التاسع عشر ومستهل القرن العشرين من أحداث جسام ودور اليهود الشيطاني ضد المسيحية والديانات الأخرى كما السلالات الأخر وتدنيس مقدساتها.
ويضيف اللامي: يجسد إيكو من خلال بطله سيمونيني في الرواية كراهية السلالات ودسائس ومؤامرات اليهود والماسونية واليسوعية والمنظمات والطوائف السرية الأخرى، وبحبكة روائية قل مثيلها، وسيرى القارئ البشاعة لكل ما هو غير يهودي على سلوك اليهود إزاء السلالات والأمم الأخرى، من ألمان وإيطاليين وفرنسيين وحتى أميركيين وروس، وبخاصة موقفهم من تلك السلالات، ولا ينبغي أن يتوهم القارئ بأي شكل من الأشكال أن الرواية أو مؤلفها هما مسيئان للسلالات الأخر كما يبدو في سياق الرواية.
الترجمة والتأويل
وعن الأساليب التي اتبعها اللامي في الترجمة، وحدود التأويل الذي اشتغل عليه، خصوصاً أن أغلب أعمال إيكو تتضمنها شخصيات خرافية وتخييلية بحاجة إلى اجتهادات خاصة بالترجمة، بيَّن اللامي أن ثمة نسيجاً مشتركا بين المؤلف والمترجم المقتدر، يتيح للأخير أن يجترح نصه الخاص أو تأويله، من النص المنقول منه وعلى وفق ذلك النسيج المشترك. وبالتالي، الارتقاء بالنص المنقول إليه إلى مصاف النص المنقول منه. شريطة أن يحافظ على روح النص، وبما يتماهى مع اللغة المنقول إليها. وهذا يعني ضمناً، الأمانة في الترجمة. موضحاً أن لكل لغة خصائصها، ومكوناتها وانحدارها التاريخي، ونموها الحضاري والاجتماعي. وقد "يستعصي على المترجم التعامل معها إلى لغته الأم كرواية مثل رواية مقبرة براغ، لكن الأمر في الأدب المعاصر يختلف تماماً، إذ إن هناك مشتركات بين النصين المنقول منه والمنقول إليه، أهمها أن كليهما يتعامل مع نص إبداعي، فضلاً عن الثقافة المشتركة التي تربط بينهما".
ويرى اللامي أن لكل مترجم طريقه الخاص وفلسفته في العمل، خاصة في الأعمال الإبداعية، إلا أن هناك من يتخذ من الترجمة الحَرْفية مساراً له، "لكنني، لا اتفق مع هذا الرأي جملةً وتفصيلاً، ذلك أن الترجمة الحَرْفية تعطينا نصّاً جامداً، وتقتل الإبداع فيه، فضلاً عن أنها؛ في النتيجة، تنقل لنا نصّاً ميّتاً". مبيناً أن الترجمة الإبداعية على العكس من ذلك، هي اقتراب من النص الأصلي وابتعاد عن الحَرْفيِّة، وكما يقول إمبرتو إيكو: "أن نقول الشيء نفسه تقريبا.." وهذا عنوان كتابه الذي صدر باللغة العربية مؤخراً". 
ومن هنا، تعامل اللامي مع نص رواية "مقبرة براغ" لإمبرتو إيكو، إذ إنه مفعم بالعبارات السيميائية التي ربما نفتقدها في لغتنا العربية مع جماليتها، فضلاً عن تعقيدات السرد وتقنيته العالية جداً، ذلك لأن الرواية تتناول أحداثاً كبيرة وقعت في أوروبا، معقدة ومتشابكة وأحيانا ضبابية بسيمائيتها وأسلوبها، فضلاً عن شخصياته الخرافية، خاصةً و"أن بطل الرواية سيمونيني يعاني من ازدواج في الشخصية، فأحياناً لا تعرف أنت كمترجم أو كمتلق أو حتى كناقد إن كان هو الشخصية الحقيقية أم الشخصية الأخرى التي يعاني منها. وهنا، تكمن الصعوبة في التعامل مع عمل إيكو".
ويؤكد اللامي أن إقدامه على مثل هذا العمل يُعد مغامرة حقيقية أمام قامة كاتب عظيم مثل إمبرتو إيكو؛ لكنه شعر بعد أن قرأ نصها الإنجليزي أن ثمة نداءً داخلياً يدعوه إلى الانسجام مع مثل هذا العمل الشائك وانجازه، بحسب قوله، وقبل المباشرة بالترجمة، أعاد قراءة بعض أعمال إيكو ليدخل في أجوائها، كما ساحر يحرق بخوره قبل عمل السحر، و"تمضي الأيام والليالي والأسابيع والأشهر ثم تجاوزت السنة، وهاهي الرواية بنصها العربي ترى النور".
ويعتقد اللامي أن القارئ العربي، وبالذات السارد، بحاجة إلى مثل هذا الجنس من السرد الروائي. و"مع أنني لست مختصاً بسيميائية إيكو، بيد أنني أزعم أن أقول إن لدي اهتمامات متواضعة في هذا الشأن، فضلاً عن قراءاتي لإيكو، ما مكنني التعامل مع نص مقبرة براغ، واجتراح نصها العربي، على وفق مقاربات النص الانجليزي،  وآمل أن أكون قد وفقت في ذلك".

أنجز اللامي هذه الترجمة أمام تحدٍ كبير، فبعد الترجمة المهمة التي قدمها الليبي أحمد الصمَّعي لرواية "اسم الوردة" عن الإيطالية، ومتابعة القارئ العربي والعراقي لأعمال إيكو في الرواية والسيميائيات، تبقى أمامنا قراءة هذه الرواية وكيفية مقارنتها مع الترجمات الأخرى، إيكو عالم ساحر وعجائبي، يعتمد على الخوارق واختراع شخصيات ومخلوقات لم يسمع بها أحد من قبل، إلا أنه يوظف كل هذه الخروقات بأساليب سردية متقنة، ليخرج بعمل روائي مختلف في كل مرة.
شاركه

عن ABDOUHAKKI

هذا النص هو مثال لنص يمكن ان يستبدل في نفس المساحة ايضا يمكنك زيارة مدونة مدون محترف لمزيد من تحميل قوالب بلوجر.
    تعليقات بلوجر
    تعليقات فيسبوك

0 التعليقات :

إرسال تعليق

أدب رقمي

حصريات

تكنلوجيا

بالصوت وصورة

سلايدر شو

.

صور فلكر

اخر الاخبار

:إبداع

عالم حواء

عن القالب

صفحتنا

اخر الاخبار