الكاتب بوشتى بن الطالب يصدر "تقاسيم عبر الذاكرة

الكاتب بوشتى بن الطالب يصدر "تقاسيم عبر الذاكرة
"تقاسيم عبر الذاكرة" هو عنوان الكتاب الذي أصدره مؤخرا الكاتب و القاص بوشتى بن الطالب عن مطبعة أمبيطل بتارزة .
الكتاب عبارة عن سيرة ذاتية ، تناول فيه الكاتب الإرهاصات الأولى للطفولة ، و ما رافقها من معاناة و إقصاء و تهميش ، و كذا المحيط الذي نشأ و ترعرع فيه و ما تركه من جروحات عميقة في نفسية الكاتب.
يعد  كتاب تقاسيم "عبر الذاكرة الاصدار"  الثاني  للمؤلف مبوب  و مفصل إلى 12 بابا يتضمن مواقف وأحدات خاصة وعامة عايشها وتعايش معها الكاتب.
الكتاب من الحجم المتوسط يحتوي  على 147 ص  يؤثث غلافه و ينمقه لوحة  فنية  تعبر عن مضامين الكتاب

الكتاب " تقاسيم عبر الذاكرة " قيمة مضافة للعمل الإبداعي المغربي خصوصا، وللأدب العربي عموما.
تقديم
حدود التناغم بين البعدين :  الفردي و التاريخي
بقلم : عبد الالاه بسكمار
السيرة الذاتية لون أدبي رفيع، يقدم جانبا أو مرحلة من مراحل حياة الكاتب و المبدع، يتفاعل مع بعض الأحداث و المواقف ذات الطابع العام، و فضلا عن ذالك فالسيرة الذاتية تشكل منبعا خصبا للمبدعين على المادة الحكائية لاسيما في مجالي القصة و الرواية، المدلول المبسط لهذا اللون الأدبي الذي مازال يستقطب مزيدا من القراء عبر العالم المتحضر، يتلخص في أن الكاتب يتحدث عن نفسه بضمير المتكلم (دون نفي إمكانية حضور الضمائر الأخرى خاصة الغائب)، و يقدم أحداثا ووقائع حقيقية بأكثر ما يمكن من التجرد و الصدق، و إن كانت تلك الوقائع تخضع دائما لمكر الذاكرة و تنميط الجوانب الوجدانية و العاطفية المكبوتة في دواخلنا، لأن الذاكرة البشرية نفسها تفرز و تميز و تنتقم، من هنا صعوبة كتابة سيرة ذاتية مستوفية لكل الأحداث و المواقف التي أثرت على كاتبها أثناء حياته التي عاشها على هذه الأرض، وأبرز محددات السيرة الذاتية، أن الشخصية الأساس في الحكي هي نفسها في الحياة و الكتابة، أي أن مكر اللون الأدبي يفترض أن يعبر عن تماه تام بين الكاتب و ضمير المتكلم و بطل السيرة الذاتية، و نؤكد هنا أيضا على الفرق الواضح الموجود بين المذكرات التي تخص المشاهير في عوالم الإجتماع و السياسة و الفكر وترتبط بالتواريخ ة الأيام أحيانا، و بما هي إطار عام للأحداث و المواقف و الفضاءات و التفاعلات و بين السيرة الذاتية التي ترتيط أكثر بما هو شخصي و فردي، و لعل المحدد الأساس للسيرة الذاتية هو ما يسمى بالميثاق الأتوبيوغرافي و الذي يتضح للقارئ من خلال مؤشرات هامة كتوصيف العنوان وعتبات الكتابة و خطاب المقدمات ...(كما حدد كل ذلك الباحث فيليب لوجون) كذلك يصح التمييز دائما بين الرواية و السيرة الذاتية، فالأولى غير الثانية ومحدد التمييز هذا حجم البعد الخيالي المتصور مع ما حدث فعلا و أثر على الكاتب (حكي استعادي في السيرة الذاتية أي يعود دائما إلى ماضي الشخصية و تفاعلها مع الأحداث ذات الطبيعة الخاصة)، إذ المعروف أن السيرة الذاتية أكثر إخلاصا للحقيقة المحددة، و دائما يعد الميثاق الذي ذكرناه المعيار الأهم في تمييز هذه عن تلك. طبعا كل هذا لا ينفي مرونة النص الأدبي و تداخل الأشكال و الأجناس، مثلما ما هو معروف عن الظاهرة الأدبية التي هي جماع ما هو سياسي و اجتماعي و ثقافي و نفسي و لغوي ... و المعروف أن جنس السيرة ااتية حديث الميلاد و غربي النشأة (هناك أشكال سير ذاتية في الترات العربي، كالتعريف بابن خلدون و الاعتبار لأسامة ابن منقذ مثلا) وهذا الجنس الأدبي استفاد من إنجازات الرواية الحديثة بمختلف اتجاهاتها الموضوعية و الفنية...وهناك معالم مضيئة في هذا المجال شرقا و غربا ،"اعترافات" لجان جاك روسو "محمد النحيل" "ليشار كمال" "دافيد كوبريفيلد" "لديكنز"، "طفولتي""لمكسيم غوركي"، "مدار الجدي" "لهنري ميلر"، "مذكرات لص""لجان جينيه" "رومان من خلال بولانسكي"، للمخرج و البولوني الفرنسي رومان بولانسكي... وفي الأدب العربي المعاصر "الأيام" "لطه حسين"، "حياتي""لأحمد أمين"، "معي""للعقاد"، "في الطفولة""لعبد المجيد بن جلون"، "الخبرالحافي""امحمد شكري"...
 لمذا قدمت كتاب صديقنا الأعز القاص بوشتى بن الطالب "تقاسيم عبر الذاكرة" بالحديث عن السيرة الذاتية؟  ببساطة لأن صاحبها أرادها كذلك و بما يستوجب الأمر من تنصيص على الميثاق، و تحديد التداخل بينما ينتمي لحقل التاريخ أو المذكرات أو المخيال الفني و ماله صلة فعلا بالسيرة الذاتية، و تلافيف العمل تؤكد هذا الانتماء كتابة و لغة و استدعاء للذاكرة، و منها تطابق الشخصية مع الكاتب (ضمير المتكلم) و عنوان العمل إياه...ثم الهيمنة الشبه الكلية لضمير المتكلم...
يقدم الأخ بن الطالب مشاهد متنوعة لحياة طفل قروي بأحواز مدينة تازة (الحاضرة المتوسطة والتي يغلب على إقليمها الطابع القروي و الواقعة على الممر الإستراتيجي الرابط بين شرق المغرب و غربه) و بالضبط قرية "اجعونة" على بعد خمس كيلومترات من المدار الحضري شرقا، و التي يقطنها 400 نفر يشتغلون في فلاحة معاشية و رعي متواضع يسدان بالكاد الحاجات اليومية لهؤلاء الناس البسطاء وخلال السنوات الخصبة دون العجاف، نلتقي مع صاحب السيرة المروية بضمير المتكلم وهو لا يتجاوز الرابعة أو الخامسة من عمره حين تيقن من وجوده الحسي "عبر أحزمة مدينة تازة...، في كوخ ترابي متهالك، يحمل فوق أسقفه سنين من التخلف و الفقر و الحاجة حيطانه خالية من الكساء، و فوقه مدت عيدان متهالكة، تحولت مع مرور السنين إلى غذاء للحشرات الصغيرة، و ملجأ للقراديات الدقيقة، و الخفاشيات الليلية، يحمل ما يكفي من الأوجاع و الالام خيوط من القتامة و العزلة تغلفه من الخارج..."ص2...
على هذا النحو يسترسل الحكي بتلقائية موجعة مفجعة لا تزويق فيها ولا تنميق باستثناء ما تفرضه الضرورة الفنية و اعتبارات اللغة الأدبية أحيانا...تتوالى مشاهد السيرة الذاتية إذن و بالعينين الاقطتين لطفل موزع بين النشل في الحقول وضربات فقيه المسيد و أب مكافح حاضن لابنه و بارع في الحكي هو الأخر وليس غريبا أن تستهل السيرة بانتشال طفلين وسط الأوحال وبقايا كوخ تهدم نتيجة السيول الجارفة وقد تم إنقاذهمابمعجزة بعد نقلهما على مثن الدواب إلى المدينة، ورغم أن الكتاب وضع أصلا كسيرة ذاتية فإنه هناك تعددا لمصادر الحكي كالأم(تخبر عن عمليات المجاهدين عن جيش التحرير وخوف ساكنة الدوارمن الإنتقام الرهيب للفرنسيين و تطلعه على مراحل من الكفاح الوطني من أجل الإستقلال حتى تحقق هذا الأخير بعودة الملك الشرعي إلى وطنه) (قتل الأبرياء الذين لا ناقة لهم ولا جمل بشبهة الخيانة و باسم جيش التحرير...) إضافة إلى نادل و بعض الأصدقاء، هكذا يلتقي العام بما هو خاص في هذه السيرة بل يقدم لنا الكاتب مشاهد مثيرة عن جوانب من الرأسمال الرمزي للمنطقة ك"حاكوزة" (طقس شعبي مغربي يرتبط بليالي الشتاء و الموسم الفلاحي و الفواكه الجافة) و تقاليد الزواج في القرية "والتبوريدة" (رقصة جماعية حربية تميزت بها قبائل غياثة المحيطة بمدينة تازة) الحياة الجماعية و نواتها الأسرة الممتدة و ما طبعها عبر الماضي القريب من تكافل و تضامن بين الجميع قبل أن تهب رياح العولمة العاتية... المتوحشة...
نعرج على المدرسة بالطبع التي شكلت منعطفا حاسما في حياة صاحب السيرة بما طبعها من قمع وانفتاح و منغصات (الرسوب في القسم الخامس ابتدائي ثم الإنتقال للدراسة في مدينة تازة / أشكال الإهانات و التعديات في المدينة)...
تتراوح حركية السيرة الذاتية "تقاسيم عبر الذاكرة" بين الوصف و السرد وقليل من الحوار وهي الأرضية الطبيعية للمتن السير ذاتي باعتبار حضور نفس التقنيات القصصية و الروائية لتبطئ الزمن تارة أو تسريعه تارة أخرى وفقا لسياق المقام، غير أن الكاتب توفق أكثر في مجال و صف الأماكن و الشخوص بما طبعه من تلقائية وواقعية تنم عن حساسية فذة في التفاعل مع واقع صعب مرير اجتمع عبره الفقر و الحرمان و التهميش و الإستغلال لنستدل على ذلك من هذا المقطع في وصف الأم "ثوب والدتي رث، قدماها حافيتان، فارغ بطنها من الأكل، لا تهدأ... اليوم كله تمضيه في صراع و عراك مع أطفال اخرين في سني، حول ما كنت أتعرض له من لكم و ركل و ضرب، وكان غالبا ما يؤدي بها الحال إى التراشق بالعصي و الحجارة مع أمهاتهم، أو يكتفين في بعض الأحيان بالتنابز بالألقاب" ص10... أما المكان فتؤتثه  "حيطان المسيد الذي تخرج منه أحجار حادة، تؤلمنا في ظهورنا، وفي أعمدتنا الفقرية وقت الجلوس، أما مؤخراتنا فغالبا ما كانت تستقر في حفر و نتوءات أرضيته..."ص14.
تنساب الكتابة السير/  الذاتية في عفوية مستمرة تحفر في الماضي المتصل بالحاضر، يؤثثها المنسيون كالصالحي و الزاهر و عبد الرزاق و عبد الرحمان (أصبح عبد الرزاق ضابطا متخرجا من أكاديمية مكناس وعبد الرحمان مدرسا في الإعدادي قبل أن يتنكر في زي إنسان اخر لا علاقة له بالماضي) و القائد الخائن الذي اغتيل عشية الإستقلال و المهندس الدي صمم مدرسة القرية بعيد الإستقلال، المنظومة التعليمية القمعية تجاه فتى بدوي فقير و بائس، حرم من أبسط حقوقه البشرية و البيولوجية مثلما يصوره الأخ بوشتى بن الطالب عبر الإقصاء الممنهج من الإطعام المدرسي وهو الفتى القادم من قرية فقيرة بالأحواز وسط مناخ من الضياع الذي يصل حدود التشرد ودون أي معين أي سند كيفما كان نوعه...
يتفاعل الزمان و المكان مع انتفاضة الطلبة و التلاميذ ضد الوضع القائم في بداية سبعينيات القرن الماضي...مع المحاولتين الانقلابيتين اللتين استهدفتا الملك الحسن الثاني (10 يوليوز 1971 بالصخيرات و 16 غشت 1972 في محاولة إسقاط و تفجير الطائرة الملكية القادمة من فرنسا من طرف أفقير و أعوانه) المسيرة الخضراء و مصرع القائد التقدمي المغربي عمر بن جلون...بلوى الحشيش / العشبة الخضراء... رحيل الزاهر عميد العائلة الممتدة و الذي يؤذن بهبوب رياح العولمة القادمة بكل فردانيتها الكاسحة و علاقاتها الأنانية و قيمها المادية المتوحشة... و قبل هذا و ذاك أهل القرية الذين طواهم الزمن في ما طوى و أصبحوا مجرد ذكريات تروى أو في أوفق الظروف حكايات تكتب و تدون بعضها كما فعل أخونا في سيرته هذه لتكزن نبراسا و شاهدا على بطولة الأبرياء و البسطاء... على صراع الإنسان من أجل تحقيق إنسانيته ولو في حدها الأدنى، على نضال سيزفي في أفق غد أفضل حيث تنغلق السير الذاتية على مكتب بيروقراطي بالعاصمة الرباط و رمزية الإخفاق في البكالوريا عبر الباب المسدود أمام أي ارتقاء اجتماعي أو إنقاذ الوضع حتى... و تستمر السيرة الذاتية مع ذلك خارج الكتابة و الأرقام و الحروف و الكلمات، نضالا و كدحا وصولا إلى الأفق الجدير بالإنسان و هو الجدير أيضا بأخينا الكريم الأستاذ بوشتى بن الطالب... كل هذه الإضاءة لا تغني عن الاطلاع على هذا العمل الفذ الصاعد من أحواز تازة ورحيقها السري و معه أصوات المغرب العميق...
تازة / غشت 2014 
شاركه

عن ABDOUHAKKI

هذا النص هو مثال لنص يمكن ان يستبدل في نفس المساحة ايضا يمكنك زيارة مدونة مدون محترف لمزيد من تحميل قوالب بلوجر.
    تعليقات بلوجر
    تعليقات فيسبوك

0 التعليقات :

إرسال تعليق

أدب رقمي

حصريات

تكنلوجيا

بالصوت وصورة

سلايدر شو

.

صور فلكر

اخر الاخبار

:إبداع

عالم حواء

عن القالب

صفحتنا

اخر الاخبار