البحث عن رفات الشاعر لوركا ينكأ جروح الحرب الأهلية
في إسبانيا
رويترز
رغم أشهر من الحفر والاستكشاف في التلال الصخرية
الوعرة في جنوب إسبانيا، لم تظهر رفات الشاعر الإسباني فديريكو جارثيا لوركا الذي أصبح
مقتله عام 1936 رمزاً لوحشية الحرب الأهلية الإسبانية، وتضاءل الأمل في العثور عليه
يوماً. ولا تزال الحرب الأهلية الإسبانية التي راح فيها نحو 100 ألف بين قتيل ومفقود،
بين عامي 1936 و1939، والتي أطلق معظمها أنصار الدكتاتور اليميني فرانسيسكو فرانكو،
قضية ينقسم حولها الاسبان. لكن ما من قضية تثير مشاعرهم أكثر من قضية جارثيا لوركا.
ولطالما قالت لاورا جارثيا لوركا، ابنة شقيق الشاعر، إن الأسرة تعارض عمليات البحث
والاستكشاف الجارية، لأنها لا تؤمن بأنَّ العثور على الرفات سيساعد في شفاء الجروح.
بدأ الحفر أخيراً في سبتمبر من هذا العام، بعد عقود
من التأخير بسبب الجدل السياسي حول حاجة البلاد الى فتح النقاش من جديد في ملف الحرب
الأهلية الإسبانية، ثم تطور مؤخراً إلى جدل قانوني. وحددت الدراسات التي أجراها معهد
فيزياء الأرض بجامعة غرناطة، ستة مواقع محتملة للعثور على رفات جارثيا لوركا، غطيت
بخيمة طولها 20 متراً، وعرضها عشرة أمتار لضمان سرية الاستكشافات. وذكرت مصادر في وزارة
العدل في الحكومة الاقليمية الجنوبية بإقليم اندالوسيا ان عمليات البحث والتنقيب انتهت
في أربعة مواقع، وبقي موقعان لكنها رفضت التعليق على ما تم العثور عليه حتى الآن. أما
وسائل الإعلام فقد خلصت إلى أنَّه لم يعثر على اي أثر للرفات. وقالت المصادر:
"سننتظر لنرى ما سيقوله العلماء لوضع حد للتكهنات". وأضافت إنَّ تقرير الطب
الشرعي ينتظر أن يصدر يوم 29 ديسمبر الأول الجاري.
وكان جارثيا لوركا الذي اشتهر بأعماله الشعرية الثورية،
ومنها "العرس الدامي" قد اعتقل في أغسطس عام 1936، وقتل برصاص أنصار انتفاضة
عسكرية وقعت قبل شهر للاشتباه في ميوله اليسارية. ومن المعروف أن الشاعر الإسباني قتل
هو ومدرس واثنان من اعضاء جماعة الفوضويين. وينقب العلماء في موقع زاره الكاتب الايرلندي
ايان جيبسون عام 1966 برفقة مانويل كاستيا، الذي قال إنه شارك في دفن جارثيا لوركا.
وقالت وسائل الاعلام ان عمليات البحث لم تسفر عن شيء. كما جاء في كتاب للكاتب الاسباني
ميجيل بوثو استنادا الى لقاءات أجريت مع ابنة الرجل الذي اعتقل جارثيا لوركا ان هناك
شبهات في ان كاستيا ربما يكون ببساطة قد كذب على الكاتب الايرلندي جيبسون. وقال جيبسون
لصحيفة الباييس الاسبانية إنه ينتظر بلهفة نتيجة الاستكشافات. وأضاف "أشعر بأنني
عليل. أفكر في هذا طوال اليوم. أخشى على صحتي العقلية انها 45 عاماً من حياتي."
لكنه رفض الاتهامات لكاستيا بأنه ضلله. وقال جيبسون "لم يكن عنده مبرر ليفعل ذلك
لم يكن سيربح من وراء ذلك شيئاً. لم يكن صديقي ولم يطلب مني مالاً، وكان خطراً جداً
عليه أن يصحبني الى هناك حين فعل". كما رفض جيبسون بعض النظريات القائلة بأن أسرة
جارثيا لوركا قد تكون أخرجت جثمانه بعد وقت قصير من مقتله، أو أن يكون مؤيدو فرانكو
قد فعلوا ذلك حفاظاً على سمعتهم، وحتى لا يظهروا بصورة سيئة. ويقول جيبسون "لو
كانوا قد نقلوا الجثث الأربع لكانوا قد خلفوا وراءهم بعض الاثر". وخلافاً للجان
تقصي الحقائق بعد سقوط الدكتاتوريات التي تشكلت في مستعمرات إسبانيا السابقة مثل الارجنتين
وتشيلي، قام انتقال إسبانيا الى النظام الديمقراطي على التجاهل المتعمد لعمليات إراقة
الدماء التي جرت خلال الحرب الأهلية والنظام الدكتاتوري الذي أعقبها. وتوقف العام الماضي
تحقيق للمحكمة العليا في حالات الاختفاء بعد أن استند معارضون الى قانون عفو صدر عام
1977، لكن سمح للمحاكم الإقليمية بالتحقيق في 19 حالة مشتبه بها للقبور الجماعية بما
في ذلك واحد يشتبه ان به رفات جارثيا لوركا. واذا فشلت عمليات الاستكشاف والتنقيب فعلاً
في العثور على رفات الشاعر الاسباني، وتخلت السلطات الاسبانية عن فكرة البحث عنه قد
تنطوي الأبيات الثلاثة الواردة في قصيدته "قصة ثلاثة أصدقاء" على نبوءة.
فقد قال جارثيا لوركا في قصيدته "أدرك انهم قتلوني.. طافوا في المقاهي والمدافن
والكنائس وفتشوا عني في كل مكان.. لكنهم لم يجدوني".
0 التعليقات :
إرسال تعليق