حاوره/نزار الفراوي
بإدراج روايته الثالثة -التي تحمل عنوان "تغريبة
العبدي المشهور بولد الحمرية" في القائمة الطويلة لجائزة البوكر للرواية العربية-
يخرج الكاتب المغربي عبد الرحيم لحبيبي من ظل يحار المرء هل كان اختيارا إراديا للمبدع
الذي يكاد يغيب عن دائرة النقاش الإعلامي والتناول النقدي المغربي، أم تجاهلا من مركز
تداول المنتج الروائي.
يعد لحبيبي -الذي يعتز بنمو كمي وكيفي ملحوظ للإنتاج
الروائي في المغرب- نموذجا لمبدعي الهامش الذين يؤسسون لبنات مشروعهم الأدبي في صمت.
يقدم روايته المرشحة الصادرة عن دار أفريقيا الشرق المغربية، بوصفها عملا مختلفا عن
سابقيه من ناحية الفضاءات.
وعلى خلفية البعد التاريخي للرواية، يعتبر الكاتب
أن خلق فضاءات روائية ترتكز على التاريخ وتأخذ من الذاكرة الفردية والجماعية من أجل
قراءة الواقع المجتمعي الحالي هو رهان إبداعي حقيقي. الجزيرة التقت الروائي المغربي
وحاورته في مشروعه الأدبي وترشيحه للبوكر.
إدراج روايتكم ضمن القائمة الطويلة للبوكر العربية
بمثابة إنصاف لصوت روائي مغمور، قلما انتبه النقد والإعلام المغربي إلى تجربته.. كيف
تنظرون إلى هذا الاعتراف.. وهل العمل في الظل اختيار أم نتيجة تجاهل من المشهد الأدبي
المغربي؟
- وصول روايتي "تغريبة العبدي المشهور
بولد الحمرية" إلى القائمة الطويلة لجائزة البوكر 2014 إنصاف لصوتي ولكل الأصوات
الروائية التي تعمل مثلي في الظل، وأنا أعتقد أن كل تجربة إبداعية صادقة وطموحة، تنشد
التحديث شكلا ومضمونا هي عمل من أعمال الظل.
في روايتكم المرشحة "ظلال تيمات" حضرت
في روايتيكم السابقتين.. أين تدرج "تغريبة العبدي" في سياق تطور ونضج تجربتكم
الروائية؟
- يشكل المشروع الروائي لكل كاتب عالما متنوعا
من الاختيارات والاحتمالات والأطروحات والبدائل، وهي بقدر ما تبدو مختلفة ومتباينة،
فإنها ترتبط بنائيا بأواصر أشد قوة وأصلب متانة مما يظهر على السطح.
ليس غريبا أن يجد القارئ في رواياتي أصداء وأصواتا
وظلالا تسبح من رواية نحو أخرى، وربما يظهر هذا بوضوح في روايتي "خبز وحشيش وسمك"
(2008)، و"سعد السعود" (2010)، فقد تم خلق نوع من الترحيل الروائي، ترحيل
شخصيتين من الرواية الأولى إلى الرواية الثانية، إحداهما كان رحيلها على شكل شبح، والشخصية
الثانية أُسند لها دور رئيسي كشخصية ساردة.
أما روايتي " تغريبة العبدي المشهور بولد الحمرية"
(2013) فهي مختلفة عن الروايتين السابقتين في الزمن الروائي والفضاءات واللغة وتقنيات
السرد، لكنها تلتقي معهما في الإصرار على البحث عن أفق إنساني يكفل للكائن الكرامة
والحرية والمساواة.
تقوم الرواية الجديدة على لعبة سردية قوامها عثور
الراوي على مخطوط يعود إلى القرن 19 يوثق لرحلة إلى الحجاز، الأمر الذي يطرح مشكلة
تجاور لغات وأجواء وفضاءات مختلفة بين الماضي والحاضر، كيف تدبرت هذه الصعوبة في خلق
عالمين متوازيين، على صعيد اللغة والفضاء؟
- فكرة المخطوطة هي النواة الصلبة التي تتحكم
في هذه اللعبة السردية التي تقترحها الرواية "تغريبة العبدي" على القارئ،
لقد مكنت -هذه الفكرة- المؤلف من خلق تعددية على جميع المستويات: الفضاءات، الأزمنة،
الأصوات، اللغات، تعدد الساردين.
إنه عالم متنوع ومتعدد وغني بالمشاهد والأفكار والطروحات،
في شكل فني يدمج القديم في الحديث، والمقدس بالمدنس، والذاتي بالموضوعي، والحقيقة بالوهم،
والتخييل بالواقع، مستهدفا السلاسة واليسر والابتعاد عن التكلف أو التعقيد.
على غرار "تغريبة العبدي" ثمة توجه واسع
لدى الروائيين العرب نحو خلق فضاءات روائية تأخذ من التاريخ والذاكرة، والإطلالة من
خلالها على الواقع المجتمعي الراهن.. هل هي مجرد صيحة، أم رهان إبداعي حقيقي له دواعيه
ومتطلباته؟
- خلق فضاءات روائية ترتكز على التاريخ وتأخذ من الذاكرة الفردية والجماعية
من أجل قراءة الواقع المجتمعي الحالي هو رهان إبداعي حقيقي، كل كتابة -ولو كانت تتحدث
عن المستقبل- فهي في العمق تمتح من الماضي.
والماضي ليس هو الزمن الموغل في القدم، إنه الأمس،
إنه الدقيقة السابقة، فكل ما نكتب هو خلاصة للماضي بالإيجاب والسلب والاختزال، بالتقديم
والتأخير، بالهدم والبناء، بالكتابة والمحو.
يعرف المشهد الروائي المغربي انفجارا غير مسبوق
في وتيرة الإصدارات، مع ملاحظة بروز لافت لروائيين من مناطق هامشية، كيف تنظر إلى الخريطة
الراهنة لهذا المشهد؟
- يبشر المشهد الروائي المغربي بمستقبل واعد،
وبإنجازات روائية عالمية، إن هذا الوعد المأمول يدعو إلى تضافر جهود المبدعين -روائيين
ونقادا- على وضع خارطة طريق روائية نقدية تسند الأعمال الإبداعية تصحيحا وتقويما في
أفق خلق معالم واضحة لنظرية روائية عربية/مغربية/عالمية، أصيلة وحداثية.
ما هي دائرة الانشغالات الوجودية والفكرية التي
تؤطر اختياراتكم الروائية أسلوبا وموضوعا؟
- أهم الانشغالات الوجودية والفكرية التي
تؤطر اختيارات الروائيين حاليا -سواء كانوا عربا أو أوروبيين- هي الانشغالات ذات البعد
الإنساني الكوني: القيم الإنسانية والصراعات الإقليمية والعقائدية، العنف والهجرة،
الفقر والمجاعة.. كل هذه الانشغالات وغيرها تنشد خلق مجتمع إنساني يسوده السلام والمساواة
والحرية والإخاء.
حضور ثلاث روايات من المغرب ضمن القائمة الطويلة
للبوكر.. مصادفة عددية أم انعكاس لتطور نوعي في الإبداع الروائي المغربي داخل المشهد
الأدبي العربي؟
- أعتبر أن الحضور الروائي المغربي القوي
ضمن القائمة الطويلة للبوكر (2014) دليل تطور نوعي وكمي في الإبداع الروائي المغربي
الذي يواصل حصد الاعتراف بإبداعيته وطابعه التحديثي.
0 التعليقات :
إرسال تعليق