يطرح كتاب «البدايات»، لمؤلفيه الباحثين نيل ديغراستايسون ودونالد غولد سميث، في دراستهما المثيرة للجدل، جملة موضوعات حول: تشكُّل الكون الذي نعيش فيه من الانفجار العظيم، إلى تكون المجرَّات، فالشموس والكواكب، ووصولاً إلى ظهور الإنسان. ويبينان أنها لا تزال تلك القضايا : أسئلة فلسفية أجوبتها محيِّرة.
ففي النصف مليون عام الأوَّل، بعد الانفجار العظيم، وهو ما يمثل لحظة عابرة من تاريخ الكون البالغ نحو 14 مليار عام، كانت المادة الموجودة في الكون قد بدأت في التجمع في نقاط من شأنها أن تصير لاحقاً عناقيد وعناقيد فائقة من المجرَّات. لكن الكون كان يتمدَّد طوال الوقت، وسيتضاعف حجمه في غضون النصف مليون عام التالية.
هكذا كان على الكون الاستجابة لتأثيرين متعارضين: الجاذبية التي تريد تكثيف المادة، والتمدد الذي يريد تخفيفها. وإذا أجريت الحسابات، سرعان ما نستنتج أنَّ جاذبية المادة العادية لم تكن لتفوز بهذه المعركة وحدها. إذ احتاجت لمعاونة المادة المظلمة، التي لولاها لكنَّا سنعيش -أو بالأحرى لن نعيش- في كون ليس فيه أي بُنى أو عناقيد مجرية أو مجرَّات أو نجوم أو كواكب أو حتى بشر.
ما مقدار الجاذبية الإضافي الذي احتاجه الأمر؟ ستة أضعاف مقدار الجاذبية التي تقدمها المادة العادية. هذا التحليل لا يترك أي مجال للشروط التصحيحية الصغيرة التي تضيفها ديناميكا نيوتن المعدَّلة إلى قوانين نيوتن. ولا يخبرنا هذا التحليل بماهية المادة المظلمة، بل هو فقط يؤكِّد على أنَّ تأثيرات المادة المظلمة حقيقية، وأنَّك لن تستطيع، مهما حاولت، عزوَ تلك التأثيرات للمادة العادية.
فمنذ حوالي 14 مليار سنة، في بداية الزمان، كان الكون المعروف، بكل فضائه وكل مادته وكل طاقته، يشغل مساحة رأس دبوس. كانت حرارة الكون وقتها شديدة للغاية، حتى إنَّ قوى الطبيعة الأساسية، التي تصِف في مجملها الكون، كانت مندمجة في قوَّة وحيدة موحدة. واستمر الكون، خلال المليار سنة الأولى من عمره، في التمدد والبرودة، مع تركُّز المادة بفعل الجاذبية في تجمعات ضخمة نطلق عليها اسم المجرَّات.
ثمَّ ينتقل الباحثان للقول بأنَّ البعض يؤكِّد -بمسحة من الرضا- أنَّ هناك قوَّة أعظم من بقية القوى. مصدرٌ جاء منه كل شيء آخر، محرِّكٌ أساسي، هذه القوَّة هي بالطبع القوَّة الإلهية.
0 التعليقات :
إرسال تعليق