الأدب النسائى حين يكتبه الرجال
الأدب النسائى فى تعريف بسيط ليس هو الأدب المقدم للنساء فقط أو تكتبه النساء فقط، بل هو الأدب الذى يدور عن عالم المرأة والذى يتحدث عن خفايا تعيشها وتدور فى ذهنها، عن مشاعر لا تشعر بها سوى الأنثى وبالتالى له حسابات وقواعد أخرى شديدة الخصوصية والتميز..
منذ فترة تتواجد فى المكتبات مجموعة قصصية بأسم “بريود صمت أنثوى صاخب” لمؤلفها محمد متولى ..
المميز حول هذه المجموعة أن الكاتب يروى القصص من وجهة نظر الأنثى ، فكل القصص أبطالها من النساء وهو يضع وجهة نظره على لسانهن ..
رغم أن هذا جهدا مشكورا من الكاتب الذى يحاول أن يصور مشاعر المرأة المكبوته وبعض الضغوطات التى تتعرض لها فى حياتها لكن للأسف عالم المرأة لا يستطيع أن يعبر عنه رجل بهذه السهولة ..
كمثال ، فى احدى البرامج التلفزيونية عن التحرش لبس أحد الشباب ملابس فتاة وتم تصويره وهو يمشى فى الشارع بهذه الملابس لمعرفة ردود الأفعال حوله ، بعد التصوير تكلم هذا الفتى عن مدى معاناته أثناء الوقت الذى كان به فى ملبس الفتيات ،
وشعوره أنه لايستطيع أن يرفع نظره لينظر إلى شئ خوفاً من أن يظن شاب من الذين من حوله أنه يجتذب أنتباهه ، وإحساسه أنه بحاجة إلى حرية فى الحركة ومساحة من حوله حفاظاً على احترامه ..
فعلى من يكتب من وجهة نظر أنثوية أن يحاول أن يتلبس الأنثى ذاتها ولا يكتب وجهة نظره هو على لسان الأنثى حتى ولو كان منصفاً لها ..
هل تفكر المرأة مثل الرجل ؟
من الأخطاء الفادحة التى وقع بها الكاتب هو وصفة للحبيب من وجهة نظر الأنثى ، فعلى لسان بطلاته كان يصف فى محاسن الحبيب الشكلية وشعور الفتاة تجاه حسنه وبهائه ، فى حين أن المرأة بشكل عام حين تفكر فى حبيبها لا تفكر بصورته الشكلية قدر تفكيرها فى حنانه وتقديره لها، وحبها له يأتى على هذه الأسس وليس على الأسس التى يعتبرها الرجال أساسية للحكم على الفتاة من المظهر والجمال وخلافه ..
لكن على الجانب الأخر هناك أمثلة لكتاب من الرجال كتبوا على لسان الأنثى وبرعوا فى ذلك منهم على سبيل المثال نزار قبانى ويوسف السباعى ..
نزار قبانى والأدب النسائى
ففى قصيدة نزار قبانى رسالة من سيدة حاقدة على لسان المرأة التى يرفض حبيبها دخولها إلى منزله وشكها فى وجود امرأة أخرى فى مكانها نجده يقول :
وصرخت محتدماً : قفي ! والريح … تمضغ معطفي …
والذل يكسو موقفي … لا تعتذر يا نذل لا تتأسف
أنا لست آسفةً عليك … لكن على قلبي الوفي
قلبي الذي لم تعرف … ماذا لو انك يا دني … أخبرتني
أني انتهى أمري لديك … فجميع ما وشوشتني
أيام كنت تحبني … من أنني …
بيت الفراشة مسكني … وغدي انفراط السوسن
أنكرته أصلاً كما أنكرتني …
لا تعتذر …
والذل يكسو موقفي … لا تعتذر يا نذل لا تتأسف
أنا لست آسفةً عليك … لكن على قلبي الوفي
قلبي الذي لم تعرف … ماذا لو انك يا دني … أخبرتني
أني انتهى أمري لديك … فجميع ما وشوشتني
أيام كنت تحبني … من أنني …
بيت الفراشة مسكني … وغدي انفراط السوسن
أنكرته أصلاً كما أنكرتني …
لا تعتذر …
فى هذه الكلمات نرى قسوة الجرح ومرارة الذل و محاولة لم شتات الكرامة المهدرة ، فالمرأة ترفض أن تكون له الكلمة الأخيرة وما صور أحد قط هذه المشاعر بروعة تصوير نزار قبانى فى هذه القصيدة ..
يوسف السباعى رائد الروايات الرومانسية
أما عن يوسف السباعى فله العديد من الروايات والقصص التى كتبت على لسان المرأة ومنها إنى راحلة التى يعيش القارئ فيها مع البطلة مراحل حبها جميعاً ومراحل ضعفها والظلم الذى وقع عليها وهربها مع حبيبها الذى يموت بين يديها لتقرر أن تصحبه فى رحلة الموت بالأنتحار ،
على قدر السوداوية فى هذه الرواية إلا أنها تلقت صدى واسع من الشهرة والمحبة وخصوصاً من النساء بسبب أن ما من امرأة وضعت نفسها موضع البطلة إلا شعرت أنها سوف تتخذ ذات القرار فى النهاية ..
ماهو سر نجاح نزار قبانى ويوسف السباعى فيما فشل فيها الأخرون ؟
السر فى شهرة هاذين الكاتبين بالذات فى الكتابة على لسان المرأة هو الحساسية الشديدة التى كاننا يتميزان بها والقدرة على التماهى مع الشخصية التى يكتبان عنها ..
هذا غير أن وجهة نظر كل منهم فى المرأة كانت التقدير والاحترام إلى حد التقديس فمن يقرأ قصائد نزار قبانى يلاحظ رغم أنه يصف كثيراً من محاسن المرأة فى صورة قد يراها البعض مستهجنة فى مجتمعنا العربى لكن هذا الوصف فيه الكثير من الإجلال والنظرة الهيابة لهذه المفاتن ،
وكذلك تكفيه قصيدته فى رثاء زوجته بلقيس التى تعتبر من أروع قصائد الرثاء فى العصر الحديث ، و يلاحظ أهتمام الكاتب لنظرة المجتمع للمرأة ومحاولته دائماً الدفاع عن حرياتها فى كل مجال..
أما عن يوسف السباعى فمن المعروف عنه أحترامه الشديد للمرأة ولدورها فى حياة الرجل عموماً وحياته خصوصاً، فنجد دائما فى كتب السيرة الذاتية التى كتبها عن نفسه الكثير من القصص عن والدته ومدى شدتها ورحمتها ومحبتها لأولادها وكيف قامت بتربيتهم وحدها بعد وفاة والدهم هذا غير محبته لزوجته وأحترامه الدائم لها وحفاظه على حياتهم رومانسية حتى وفاته..
فالأدب النسائى ليس حكراً على النساء قدر ماهو حكر على من يستطيع أن يفكر بقلب وعقل النساء ..
نقلا عن
0 التعليقات :
إرسال تعليق