الفنان المغربي عفيف بناني بين
الإبداع والتأليف وإشاعة الثقافة التشكيلية
الطاهر الطويل
يحرص الفنان التشكيلي المغربي
عفيف بناني على الجمع بين الإبداع وتأليف الكتب المختصة في الميدان، بالإضافة إلى
إلقاء محاضرات تساهم في إشاعة الثقافة التشكيلية لدى الجمهور ولاسيما لدى فئة
الشباب، وتقريب مصطلحاتها ومفاهيمها واتجاهاتها من مدارك العموم.
وفي هذا الإطار، أصدر هذا
الفنان الملقب بـ"أمير القصبات" الترجمة العربية لكتابه المعنون بــ:"فن
التشكيل من القرن التاسع عشر إلى سنة 1945"، ويقع في 170 صفحة من القطع
المتوسط، وتتخلله لوحات تمثل المرحلة المدروسة من لدن المؤلف.
يتضمن الكتاب الذي تولى
ترجمته عدد من الباحثين المغاربة تعريفات مركزة حول أهم الحركات التشكيلية
العالمية وأبرز رموزها، بدءا بالانطباعية، مرروا بالتعبيرية، ثم الوحشية،
والتكعيبية، فالمستقبلية، والتجريدية، والدادائية، وصولا إلى السوريالية، دون أن
يغفل الفنانين غير القابلين للتصنيف ورواد الفن الحديث.
خصّ الكاتب والناقد الفرنسي
دانييل كوتيريي الترجمة العربية بمقدمة أوضح فيها أن هذا الكتاب الجديد مفعم
بالحيوية، وألّفه رجل ذو ذوق وذاكرة ثاقبة، وذو دراية واسعة بالميدان، ويعرف كيف
يحكي الأساسيَّ والخالصَ، ويبين سيكولوجية الكائنات، ويستخلص العِبر من الأحداث.
ويضيف كوتيريي قائلا: إن هذه الأنطولوجيا المصاغة بسلاسة ودون تكلّف، تحفل بتقديم
تعريفات مختزلة لمجموعة من الرسامين القدامى والمعاصرين (يبلغ عددهم 54 رساما)
بعبقرية في التحليل، ولكنه يقود قارئه أيضا نحو مختلف التيارات التعبيرية الفنية
التي حصرها النقد في مدارس محددة، وجعل بعض الرسامين خارج أي تصنيف، معتبرا أن
لوحاتهم في حد ذاتها تعتبر مدارس، أمثال: فان غوغ وبول غوغان وتولوز لوتريك وغيرهم
من الفنانين الذين برزوا خلال الفترة ما بين 1880 و1901.
ويوضح دانييل كوتريي أن كتاب
"فن التشكيل من القرن التاسع عشر إلى سنة 1945"، ليس مجرد انتقاء شخصي
لمجموعة من الفنانين ممن انجذب إليهم الكاتب، ولكنه أيضا تأملات عالِم دائم
الانتباه وحريص على تعلم المزيد. كما أن هذا الكتاب خلاصة معارف صاحبه المشهود له
بالكفاءة، بعد مسار طويل من العمل الفكري والفني. أليس عفيف بناني، قبل كل شيء،
أحد كبار الفنانين التشكيليين المغاربة؟ وبذلك ـ يقول صاحب التقديم ـ فالخطاب الذي
يسعى الكاتب/ الفنان إلى تمريره لكل الذين يهتمون من قريب أو بعيد بالرسم وكذلك
لطلبة المدارس، يتمثل في أن كل فنان مذكور في الكتاب يميز بالصدق الفني، وهو ما
يمنحه الفرادة والتميز وذيوع الصيت عالمياً.
ويشير الناقد الفرنسي كوتريي
إلى أن عفيف بناني، باختياره اللغة العربية للتعبير عن هذا الموضوع الهام، يكون قد
ساهم بروح نضالية في إثراء الفكر المغربي المنفتح على الغير. إنه يعلم أن المغرب
ليس برجا عاجيا معزولا عن العالم، وإن كان هذا الفنان يحلم أحيانا بإنجاز عمل
بمفرده. فالعالم يناديه، ويدعوه إلى التفاعل مع ما يبدو له أساسياً وجوهرياً.
ويختتم الناقد الفرنسي تقديه بالقول: إن هذا الكتاب البسيط والمركز مفيد لكل الذين
يهتمون بحاضر ومستقبل الفنون التشكيلية.
الجدير بالذكر أنه سبق لعفيف
بناني أن أصدر باللغة الفرنسية الكتب التالية: "معجم الفنون التشكيلية"،
"تأملات تشكيلية"، "فن الرسم من القرن 19 إلى سنة 1945"،
بالإضافة إلى صدور كتاب "المزن والقزح" الذي يتضمن لوحات للفنان
نفسه.
التواصل مع
الشباب
من جانب آخر، ألقى الفنان
التشكيلي عفيف بناني، الأسبوع الماضي، محاضرة في الثانوية التأهيلية المعتمد بن
عباد بمدينة القنيطرة، تمحورت حول تاريخ الفنون التشكيلية ومدارسها ومبادئها
العامة، بحضور مجموعة من تلاميذ المؤسسة ومديرها الأستاذ نور الدين الزبيري.
وأهدى عفيف للثانوية
التأهيلية صورة فوتوغرافية كانت قد جمعته هو وأبناء هذه المؤسسة التعليمية أيام
الدراسة الابتدائية، حيث سبق له أن درس بها حينما كانت تُسمّى أيام الاستعمار
"مدرسة أبناء الأعيان".
واندرجت هذه المحاضرة في سياق
النشاطات الثقافية التي يقوم بها الفنان عفيف بناني بموازاة مع نشاطه الفني، إذ
سبق له أن ألقى محاضرات أخرى في كل من قاعة المحاضرات التابعة لوزارة الشباب
والرياضة وفي المكتبة الوسائطية التابعة لمؤسسة محمد السادس للنهوض بالأعمال
الاجتماعية للتربية والتكوين، وفي جامعة السلطان مولاي سليمان ببني ملال، وفي مسرح
محمد الخامس بالرباط.
يشار إلى أنه سبق لعفيف أن توج منذ سنتين بـ"ميدالية ذهبية
للفنون" من طرف أكاديمية الفنون والعلوم والآداب بفرنسا. وتعتبر الميدالية
الثانية التي حصل عليها العام الماضي تتويجا جديدا ينضاف إلى مسار بناني الإبداعي،
إذ حاز على العديد من الجوائز والتكريمات من بينها جائزة «طوال الذهبية»، خلال
مسابقة عالمية ضمت نخبة من الفنانين التشكيليين بفرنسا، كما حصل سنة 2004 على
ميدالية أوربية، وفي سنة 2001 حاز على ميدالية فضية خلال المسابقة الدولية للرسم
بفرنسا.
ويلاحظ متتبعون
أن اللوحات التشكيلية لعفيف بناني، العضو في الفدرالية الوطنية للثقافة الفرنسية،
تتسم بترجمتها لمخيلته ونزوحه إلى رسم كثير من الأماكن والمعالم التاريخية ليصبح
من الفنانين المعروفين بحبهم لرسم القصبات وأزقة المدن العتيقة. ونظرا للمكانة
التي يحظى بها هذا الفنان في مجال الفن التشكيلي، فقد وقع الاختيار على أربع من
لوحاته لوضعها على طوابع بريدية أصدرها بريد المغرب.
0 التعليقات :
إرسال تعليق