- يرى كتاب «دكتاتورية التباين السينمائي»، لمؤلفه د. محمد نعيم الخيمي، أنَّ الاتصالات السمعية والبصرية، ساعدت عن قصد أو عن غير قصد في التلاعب بالرأي العام، ولهذا السبب لا يمكن أن نقلِّل من دور المهارات المهنية للناس المدعوين إلى القيام بهذا، وأعني بكلامي عمَّال ومبدعي السينما والتلفزيون، فضلاً عن المصوِّرين الفوتوغرافيين المحترفين.
ومن هذا المنطلق يدرس المؤلف مفهوم التباين في الفنون الجميلة، إذ إنَّ المحتوى يتشبَّع اعتماداً على التباين، بأنواعه المشتقَّة: التباين الآني، التباين المتتابع، التباين المكمِّل، تباين الدرجة، تباين الجودة، التباين الكمِّي، التباين حسب التشبُّع، التباين الحدودي. ويمكن اعتبار التباين شرطاً أساسياً للإدراك البصري، بسبب أنَّ وجود فروق لونية ونصوعية بين أجزاء مختلفة من المادة هو ما يمكِّن من مشاهدتها. و
ها هم روَّاد الفضاء الأميركيون عندما ذهبوا للمرَّة الأولى إلى القمر وطاروا على مسافة ثلاثة كيلومترات من سطحه، فإنَّهم على الرغم من حقيقة كون الرؤية ممتازة لم يتمكَّنوا من تحديد ارتفاع السلاسل الجبلية والوديان العميقة، وكان ذلك بسبب تباين الموضوعات المُشاهدة، فهو بسبب انعدام الغلاف الجوي كان أكبر بكثير من قيمة التباين البصري المثالي.
ثمَّ يتحدَّث المؤلِّف د. الخيمي، عن الحوافز النفسية التي تتسبَّب في ردود الأفعال على الإحساس الجمالي عند الجمهور. ويقسِّمها إلى ثلاثة أنواع مختلفة من القيم المتغيِّرة: متغيِّرات فيزيولوجية، متغيِّرات بيئية بيولوجية واجتماعية، متغيرات نسبية.
ويبين أنه في تقليد النهضة الإيطالي تناوب استمرار التحولات الملونة مع نظام المجالات الملونة الصغيرة، ولكن الواضح في بعض أعمال سجناء القرن التاسع عشر، إذ ملئ القماش كله بالمجالات الصغيرة وبالانتقالات المستمرة تقريباً، ولم يبق مكان لتباين الكتل الكبيرة الملونة. وحلَّلت التكعيبية شكل المادة من أجل مجالات ملونة واضحة وشيَّدت سلاسل ملونة إيقاعية، معتبرة أنَّها تُطوِّر أفكار «سيزان».
وهناك ميِّزة أخرى مثيرة للاهتمام من ميزات الإدراك الحسي للَّون وهي استعاضة التباينات.
وعن مسألة رمزية اللون، يرى المؤلف أنَّها ترتبط بأثر اللون النفسي وتصنيفه وتنظيمه. وكان اللون في جذور الثقافات يعادل الكلمة بكونه رمزاً لأشياء مختلفة ومفاهيم، وكانت الألوان الأكثر بساطة وشيوعاً هي أكثر الرموز اللونية استقراراً.
ويشرح المؤلف أنه سيطرت الدولة في فرنسا وإيطاليا على استخدام الطلاء الأزرق كما كان بالنسبة إلى اللون الأرجواني في العصور القديمة المتأخرة، وجرى تكريس المغزى الرمزي للون الأبيض في الكتاب المقدس فهو يعني قداسة وإيماناً، ورمز اللون الأسود إلى الموت وعلى إهانة الجنس، وكان بصفة عامة علامة على التواضع ونبذ الملذَّات الدنيوية.
ومن هنا كانت ثياب رجال الدين والرهبان سوداء. وبعد ذلك كان التعبير عن ارتفاع المكانة الروحية لرجال الدين والأساقفة في الكنيسة الرومانية باللون الأرجواني بدلاً من الأسود لأنَّ الأرجواني هو الأقرب إلى الأسود. ومن المثير للاهتمام شعور فناني الماضي الكبار بلا خطية إدراك التباين وبتقارب الدرجات في النور والعتمة، واستخدموا ذلك على أنه وسيلة للتعبير.
0 التعليقات :
إرسال تعليق