إسكندر حبش
يمكن لنا، لو أردنا أن نعود إلى الوراء للبحث عن أصول الجاز أن نقول إنه نوع من الموسيقى، شهدت ولادتها مدينة «نيو ـ أورليانز» (أكبر المدن في ولاية لويزيانا الأميركية) في بداية القرن العشرين. وهي وليدة مزيج من «البلوز» و«الراغتايم» والموسيقى الأوروبية. وأيضا لا بدّ من أن نذكر أنها من أشكال الموسيقى «الأفرو ـ أميركية»، التي حظيت بشهرة، لا في مكان نشوئها وحسب، بل تخطت الحدود لتعرف انتشاراً في جميع أنحاء العالم.
جعلها هذا الانتشار، على مرّ السنين، تتأثر ببعض «الموسيقات» الأخرى، أو بالأحرى لنقل دخلت عليها تنويعات كثيرة، لدرجة أن «الحقل الجازي» يبدو اليوم متشعباً لدرجة أن قسماً كبيراً من الموسيقى في العالم بدأ يوضع اليوم في خانة «الجاز». بمعنى أن انتشار الجاز في كل دول العالم، ونظراً إلى تعدد عازفيه، كان لا بدّ من أن «يتطعم» ببعض الإيقاعات الآتية من كل الآفاق الموسيقية الأخرى.
ونظراً إلى ما أصبح لهذا النوع الموسيقي من حضور طاغ ومتشعب، قررت منظمة «اليونيسكو» في اجتماعها العام الذي عُقد في تشرين الثاني من عام 2011، أن تعلن يوم 30 نيسان من كلّ عام، يوماً احتفالياً بموسيقى الجاز، لتجعل من هذا اليوم «اليوم العالمي للجاز»، الذي أتي ليضاف إلى الأيام الثقافية الأخرى التي أعلنها اليونيسكو، كيوم الشعر العالمي، ويوم المسرح العالمي، وغيرها من الأيام المماثلة. وفي الحيثيات التي دفعت اليونيسكو إلى إعلان يوم الجاز العالمي، يمكن أن نقرأ «تقريب حساسية المجتمع الدولي من فضائل الجاز باعتباره أداة تثقيف، وقوة سلام ووحدة، وحوار وتعاون بين الشعوب».
تقليد سنوي
كلام اليونيسكو، يشبه كلامها الدائم، أي تلك الصفات التي غالبا ما تعيد إلصاقها بكل الأحداث التي ترغب في تعيين أيام عالمية لها. ومع ذلك، ليس من المفروض أن «يقاطع» المرء هذه الاحتفاليات، بل أن يذهب إلى تلك الاحتفالات وأن يستمع «إلى كل هذا الجاز» حيث تبدأ العروض.
لبنان لم يشذ عن العديد من دول العالم التي بدأت تحتفل بهذه المناسبة، فللعام الثاني على التوالي، تحيي «سوليدير» مع «منظمة اليونيسكو»، اليوم العالمي للجاز (غداً الأربعاء 30 نيسان) في وسط بيروت، (شارع الأوروغواي - حديقة سمير قصير) وهو يأتي، أي الاحتفال، بالتزامن مع العديد من الحفلات الأخرى في غير عاصمة عالمية.
«اليوم العالمي للجاز» يأتي هذا العام وفق ما وصفه جوزيف كريدي (ممثل اليونيسكو في لبنان) بأن «فكرة إنشائه.. هي للتأكيد على أهمية القيم التي تختزنها هذه الموسيقى التي طالما قامت على وقعها الحركات المناضلة من أجل الحرية والتسامح والكرامة الإنسانية». أما رندة الأرمنازي (مديرة العلاقات العامة في «سوليدير») فقد قالت: «إن أهمية اليوم العالمي للجاز، الذي أصبح تقليداً سنوياً، يتماشى مع دور اليونيسكو في ترسيخ الحوار والانفتاح عبر لغة الموسيقى»، واعدة بالعمل على تعزيز ذلك بالحفاظ على استمرارية هذا النشاط وتطويره «وتوفير منابر جديدة للتفاعل الثقافي بين الموسيقيين اللبنانيين والعالميين».
البرنامج
إذاً نحن غداً أمام حفل في وسط بيروت، احتفاءً باليوم العالمي. لكن في الواقع هو احتفاء بالموسيقى، عبر الفرق اللبنانية العديدة التي تقدمها بدءاً من الساعة السابعة إلى ما بعد منتصف الليل، وهي، وفق ما أعلنه جون كاسبيان (المدير الفني للمهرجان):
السابعة مساء: «The Lebanese Conservatory Big Band». وهي الفرقة التي أسسها الراحل وليد غلمية العام 2010، وتضم 18 عازفا يتوزع عازفوها على السكسوفون والترومبيت والترومبون والايقاعات، وتوصف بأنها «جبل من الأنغام والإيقاعات».
الساعة الثامنة: «Funky Blue Band» تألفت هذه الفرقة بداية من هواة الموسيقى الذين مزجوا شغفهم بالجاز، مع عدد من الأنواع الأخرى، وتضم برونو باولي (كلافييه)، وطوني رزق الله (غيتار باس)، فايز رزق الله (باتري)، كمال بدارو (غيتار وغناء). المقطوعات التي يقدمونها غدا تترواح من ب.ب. كينغ إلى إلمور جيمس وبيغ بيل برونزي، وصولا إلى الرولينغ ستونز.
الساعة التاسعة: «The Real Deal Blues Band» وكما يدل اسمها، اتجهت الفرقة التي أسسها 1997 هاني علايلي، ومنذ البداية، إلى موسيقى البلوز، إذ قالت إن هدفها هو «الإبقاء على تقليد «الغروف»، الذي نشأ في شيكاغو. تضم الفرقة إلى علايلي (غيتار) إيلي فرح (غيتار وغناء) وعيسى غريب (ساكسوفون)، وقد شاركت الفرقة في الكثير من المهرجانات، وتعتبر الوحيدة الممثلة للبلوز على الساحة اللبنانية.
الساعة العاشرة: «XANGO» تتشكل الفرقة من عادل منقارة (غيتار)، أرتور ساتيان (بيانو)، إيلي شميلي (درامز) نعيمة يزبك (غناء).
الساعة الحادية عشرة: «Arthur Satyan Organ Quartet» يعتبر كثيرون أن أرتور ساتيان (أورغ)، هو عميد الجاز في لبنان، إذ عمل على تأسيس وترسيخ هذه الظاهرة الموسيقية في لبنان، من خلال تجاربه الموسيقية «الكهربائية». المقطوعات التي تعزفها الفرقة المكونة من توم هورنينغ (ساكسوفون) ورافي ماندليان (غيتار) وفؤاد عفرا ((باتري)، ومثلما هو مرشح فإن المقطوعات التي ستقدم تترواح من موسيقى الخمسينيات إلى «الجاز فوجن» الذي عرفناه في السبعينيات.
منتصف الليل: «Jazzmine Bey Quartet» رباعي يتألف من توماس هورنينغ (ساكسوفون)، برونو باولي (بيانو) رويدي فولدر (باس)، أرنو اوغرلي (باتري). رباعي من موسيقيين أوروبيين وأميركيين مقيمين في لبنان منذ فترة طويلة، وتتوزع موسيقاهم على مقطوعات كتبها باولي كما على معزوفات لماكوي تاينر وواين شورتر.
العام الماضي استقطب اليوم العالمي للجاز (في لبنان) ما يقارب الـ 8000 مستمع ومشاهد. عدد لا بأس به، والطموحات اليوم أن يتخطى العدد ذلك.. إنه «كل هذا الجاز.. لقد بدأ العرض».
بالاضافة إلى هذه الفرق تقام حفلات للمناسبة نفسها في كل من مسرح بابل ومترو المدينة، تنشر تفاصيلها غداَ الاربعاء في ملحق «شباب».

إسكندر حبش