صدر عدد شهر شباط 2014 (العدد 540) من (ماغازين ليترير) المجلة الأدبية الفرنسية الشهرية وقد كرس ملفه لميشيل فوكو، إضافة الى الأبواب المعتادة مثل باب آراء، والدفتر النقدي للإصدارات الحديثة (17 مقالا)، أما ملف فوكو فقد تضمن 16 مقالا عن فكره وسيرته، وفي سياق السائد في الثقافة الغربية اليوم لم يفوت الملف فرصة تخصيص مقال عن الشذوذ الجنسي في فكر فوكو بعنوان (اختراع المثلي)، ونحن نقول أن فوكو في الواقع قد قدم في كتابه (تاريخ الجنسانية) لحركة المثليين مسوغات فكرية خطيرة، ظهر أثرها القوي خلال العقد الماضي ومازالت تؤثر وتكسب اعترافا على الصعيد المؤسساتي، وبرأيي ان البعد الذي اتخذته الحركة (الفيمينية) النسوية مؤخرا، هو في جانب منه رد فعل على المثلية الصاعدة، ولكنه احتجاج ذو طبيعة فوضوية يائسة. على كل حال فإن مناسبة الملف هي طبع أراشيف لم يسبق نشرها (تتكون من 37 ألف ورقة حسب ما جاء في مقال (قارة غير مكتشفة) من ضمنها محاضرات في الكوليج دو فرانس وملاحظات ومقالات ويوميات، وقراءات لمجمل أعماله، ومما ورد في التقديم أنه بعد ثلاثين عاما من موته نكتشف أشياء جديدة تجعل من صورته مختلفة، "كثيرا" حسب تعبير المحرر، الى درجة تطرح معها مشكلة مختلفة. لأن مؤلف (الكلمات والأشياء) يخفي دائما ما يستحق الاكتشاف بين طيات أعماله وهو القائل في تعليقه عندما أعيد طبع (تاريخ الجنون): "بالنسبة الى الجدة، دعونا لا نتظاهر باننا نكتشفها هي، مثل ذخيرة سرية، مثل ثروة لم تُلاحظ في البداية، بل هي صنعت من أشياء قيلت عنها، وأحداث اكتنفتها". إن تلقي فوكو في العقود الأخيرة قد أثار دلالات أخرى ومشاكل جديدة. هذا التجديد يجري على ثلاثة مستويات في الأقل، فنحن أولا، ووفقا لوصاياه،لا نسمع شخص المؤلف المهيمن بل المشترَك لسلسلة نصوص، محيط خطاب، فالوثائق تكشف مداخلات ورجوع الى مصادر أخرى وافكار جديدة وتظهر الى أي مدى كان فوكو يمتلك القابلية على مضاعفة الأعمال والمداخلات. ثانيا تشتغل هذه المداخلات بموازاة التغيرات في المشهد الثقافي والاجتماعي ما يعطي فكرة عن حساسيته العالية. ثالثا، وبعد ثلاثين سنة، لا يمكن بعد فهم فكر فوكو بالسياق السابق نفسه، إذ لا يمكننا أن نعيد قراءة تشخيص فوكو لطب الأمراض العقلية مثلا من دون أن نأخذ بنظر الاعتبار ما طرأ من تغيير في هذا المجال، أو نراجع "الحكومية" دون أن يخطر على بالنا أن طريقة الحكم اختلفت في سياق العولمة. ثالثا.. مصطلحات فوكو نفسها قد اغتنت بعده بمرور الزمن بالاستخدام العملي وصارت إما أكثر وضوحا أو اكتسبت ملامح إضافية أو جديدة ما يدل على قدرتها على التجدد. لقد أسهم فكر فوكو في فتح جبهات نظرية جديدة، ويبقى هذا الفكر عرضة للتحولات التي أثارها، ولقد رجا فوكو في (أركيولوجيا المعرفة) أن "لا يُطلب منه أن يبقى هو نفسه |
-
تعليقات بلوجر
-
تعليقات فيسبوك
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة
(
Atom
)
0 التعليقات :
إرسال تعليق