على هامش الدورة 15 للمهرجان الوطني للفيلم بطنجة :
عرس السينما المغربية
بقلم الناقد والمؤرخ السينمائي : أحمد عريب (1)
تقديم :
من حين لآخر يطلع علينا الناقد والمؤرخ السينمائي الصديق أحمد عريب بنص يعبر من خلاله عن رؤيته النقدية لجوانب من واقعنا السينمائي أو يغوص بنا في مراحل من تاريخنا السينمائي . وفي هذا النص (عرس السينما المغربية ) المنشور بجريدة " الرأي " المغربية (عدد السبت-الأحد 25/26 يناير 2014 ص 20 )، لسان حزب الاستقلال بالفرنسية ، ينبش كاتبه في تاريخ " المهرجان الوطني للفيلم " منذ انطلاقته سنة 1982 الى اللحظة الراهنة ، وهذا النبش لا يخلو من نقد ضمني لما آل اليه هذا المهرجان العتيق في السنوات الأخيرة.
وتعميما للفائدة نترجم هذا النص وننشره بمناسبة انعقاد الدورة الجديدة لمهرجان طنجة السينمائي الوطني ، آملين أن يشكل ذلك فرصة لمناقشة أطروحته وما تضمنه من معطيات .
النص المترجم :
" تأسس المهرجان الوطني للفيلم ، المسمى سابقا بالمهرجان السينمائي الوطني ، بالرباط سنة 1982 بمبادرة من مدير المركز السينمائي المغربي آنذاك قويدر بناني (1976-1986) ، وبشراكة مع الغرف المهنية (المنتجون والموزعون وأرباب القاعات السينمائية ) . ولم يكن
المركز السينمائي المغربي حينئذن بصدد أول مهرجان من تنظيمه وذلك لأن تجربة ذات بعد دولي قد سبق له أن عاشها بطنجة سنة 1968 (2) ، الا أنها تجربة أجهضت مع كامل الأسف لأسباب سياسية بعد دورتين فقط . لقد كان ذلك بمثابة النقطة التي أفاضت الكأس لأنه تبعا لهذا الفشل وباختلاف مع مدير المرحلة ورئيس المهرجان ، عمر غنام (3) ، سيستقيل من مؤسسة المركز السينمائي مجموعة من السينمائيين العاملين به كموظفين من أجل التطور والارتقاء داخل القطاع الخاص .
وحسب القانون الأصلي المنظم للمهرجان الوطني للفيلم ، فهذا الأخير ينبغي أن يعقد مرة كل سنتين حسب ايقاع انتاج الأفلام الطويلة . وزيادة على ذلك ينبغي أن يكون هذا المهرجان متنقلا بين المدن حتى يمكن أكبر عدد من الجمهور الواسع من الاحتكاك بالمنتوج الوطني . نحن في مرحلة تتميز بندرة توزيع الفيلم المغربي على القاعات السينمائية . وأفضع من ذلك ، بعض الأفلام الطويلة لم تعرض قط على شاشة كبرى . المدن التي كانت تتوفر على بنيات ملائمة وكان بمستطاعها احتضان المهرجان كانت هي الرباط (1982) والدار البيضاء (1984) ومكناس (التي شهدت أيضا تنظيم أول مناظرة حول السينما بالمغرب سنة 1991) وطنجة (1995) والدار البيضاء مرة أخرى (1998) ومراكش (2001) ووجدة (2003) . وكانت ايجابيات هذا التنقل ، بالاضافة الى اللقاء المباشر بين الجمهور المحلي ومهنيي السينما بكل أطيافهم ، تتمثل في اصلاح وتجديد قاعتين سينمائيتين على الأقل تعرض بها الأفلام المغربية الجديدة . وبمجرد اختتام فعاليات المهرجان تبقى للمدينة المحتضنة هاتان القاعتان كفضاءات للعرض صالحة للجمهور المحلي . وأيضا ، لازالت ذاكرتنا تحتفظ بتلك النقاشات الساخنة والبناءة بين هؤلاء المهنيين والجماهير من أجل غد أفضل للسينما المغربية . ان أفضل الاقتراحات المتعلقة بسينمانا كان مصدرها بالضبط هذه الجماهير المتنوعة . ومنذ سنة 2003 ، رأت النور سياسة جديدة مست العديد من الجبهات ومكنت المركز السينمائي المغربي أولا من مركزة كل الأنشطة . الغرف المهنية ، التي تضاعف عددها بشكل لاعقلاني ، أصبحت تدعى بشكل فردي . المناقشات حول السينما الوطنية استبدلت ب " دروس سينمائية " لا علاقة لها لا مع الواقع المحلي ولا مع تيمة المهرجان . وأكثر من ذلك فهذه الدروس غالبا ما ينشطها أشخاص مشكوك في كفاءتهم السينمائية عموما . منذ هذا التاريخ ، أصبحت طنجة كنوع من الكعبة بالنسبة للسينما الوطنية حيث يقام المهرجان سنويا . هذا التحول في دورية المهرجان سهله الحامل الرقمي الذي مكن من انجاز أفلام موجهة لكل نوع من أنواع الجمهور بأقل تكلفة عبر تقنية الكينيسكوباج الرخيصة نسبيا . وكنتيجة لذلك تم اغراق المسابقة بأفلام لا تحترم تقنيا الضوابط المهنية في حدودها الدنيا ، وهي أفلام من اخراج سينمائيين نادرا ما يقلقهم تكوينهم ومستواه . أما فيما يتعلق بالأفلام القصيرة ، التي غالبا ما " تكتب " و يتم " اخراجها " من طرف سينمائيين في بدايتهم ، فهي تزرع شكا حقيقيا في مستقبل السينما الوطنية وذلك لأنها في معظمها خالية من أية ابداعية قابلة للحياة ، على الأقل في الوقت الراهن ."
تقديم وترجمة عن الفرنسية وهوامش : أحمد سيجلماسي
الهوامش:
(1) أحمد عريب سينيفيلي كبير ، ناقد وصحافي سينمائي غزير الانتاج ، لم يتوقف عن الكتابة منذ الثمانينات من القرن الماضي ، أعتبره شخصيا في صدارة من أرخوا ولا زالوا للسينما المغربية عبر كتاباته العديدة ، بالفرنسية والعربية ، وخصوصا عبر كتابه الصادر سنة 1999 بعنوان " كان ذات مرة ... السينما بالمغرب " . يشرف منذ سنوات على صفحتين سينمائيتين بالعدد الأسبوعي لجريدة " الرأي " المغربية الناطقة بالفرنسية . وقد سبق له الاشتغال بالمركز السينمائي المغربي في عهد مديريه السابق (سهيل بنبركة) والحالي (نور الدين الصايل) .
(2) مهرجان سينما البحر الأبيض المتوسط بطنجة .
(3) مدير عام سابق للمركز السينمائي المغربي ، لقي حتفه وعمره 37 سنة خلال المحاولة الانقلابية الفاشلة التي استهدفت سنة 1971 الملك الراحل الحسن الثاني في قصره بالصخيرات .
0 التعليقات :
إرسال تعليق