مدخل مغارة سرفانتس في الجزائر من المصدر
مغارة الروائي العالمي سرفانتس معلماً في الجزائر
مدخل مغارة سرفانتس في الجزائر من المصدر
يمكننا القول بأنَّ الروائي الإسباني ميجيل دي سيرفانتس
(1547- 1616) لو لم يركب تلك السفينة، وُيحارب الأتراك لما أُسر، وبيعَ عبداً في أسواق
النخاسة بالجزائر التي قضى فيها 5 سنوات 1575 - 1580، فالروائي الذي كتب واحدة من عيون
الأدب العالمي "دون كيشوت".
حيث ظهر الجزء الأوَّل منها عام 1606 والجزء الثاني
صدر عام 1615 نخطئ كثيراً حين لا نعتبر أنَّ ما كتبه لم يكن في حالة نمو وتطور، وأنَّ
ما كتبه لم يكن أكثر من تعاقب أحداث/ انحرافات، عملت وتعمل على تفعيل انعدامات الاحتمال،
وأنَّ حياته ستشغلنا، وسنؤلف عنها الحكايات والحكايات، وأحداثاً وأحداثاً.
كما لمَّا نزلنا من السيارة - مجموعة من المسرحيين
السوريين- أمام مغارته التي في الجزائر العاصمة والتي تُعرف باسمه (مغارة سرفانتس)،
وحَسِبَنا بعض الشباب الذين يتسكَّعون في فنائها المليء بالأشجار والورود بأننا دورية
أمنية ستقبض عليهم، على أنَّهم يعبثون بموجوداتها، فرموا سجائرهم التي كانوا يعبُّونها
كما يعبُّون رحيق الحياة، وتفرَّقوا لولا أن ناديناهم حسب ما طلب منَّا السائق أنْ
طمئنوهم بالقول بأنَّكم سُوَّاح.
النبيل الحكيم
سألت أحدهم: هل هذه مغارة سرفانتس؟ فأجابني غيره،
وكان يقف بعيداً في أوَّل الدَرَج: (وي) بالفرنسية. وتابعت: وهل تعرف من يكون سرفانتس؟
امتلكته الدهشة وردَّ عليّْ: لا أعرفه، ولكن كما أظن أنَّه متشرِّد، وكان ينام فيها.
لم يُعجب الجواب أحد رفاقه، الذي بعد أن تأكَّد
من سوريتنا واطمأن، رحَّب فينا على أرض الجزائر وهل إذا كنَّا لاجئين وقال: إنَّه ميخائيل
سرفانتس صاحب رواية (دون كيشوت)، وعرَّفنا بنفسه بأنَّه طالب جامعي وأنَّه قرأ الرواية
ويعرف أبطالها: دون كيشوت، نبيل حكيم لكنَّه أحمق يمتطي صهوة حصانه "روسينانتي"
ومعه خادمه الفلاح "سانكوبانزا" وأوَّل معاركه التي خاضها كانت ضد طواحين
الهواء، إذ توهَّم أنَّها شياطين، فهاجمها غير مصغٍ إلى صراخ تابعه "سانكوبانزا"
وتحذيره، فرشقها برمحه، فرفعته أذرعها في الفضاء ورمته أرضاً فرضَّت عظامه أو ربَّما
تكون قد انكسرت.
المحارب والمنفى
بالطبع لم يكتب سرفانتس أيَّاً من فصول روايته هذه
في الجزائر، ففي حينها وقبل وصوله الجزائر في عام 1569 قبض على سرفانتس بتهمة الاشتراك
في مبارزة، فحُكم عليه بالنفي من أسبانيا عشر سنوات. وبعد سنتين، وفي عام 1571 ينخرط
سرفانتس في الخدمة العسكرية بدلاً من السجن/ المنفى، فيُبحر من "مسينا" على
السفينة "ماركيزا".
وحين تلتحم سفينته بالأتراك العثمانيين- في"ليبانتي"
كان سرفانتس مريضاً مُصاباً بالحمَّى في عنبر سفينته، إلاَّ أنَّه لم يأبه لمرضه فيُحارب
الأتراك ويُصاب بثلاثة جروح من طلقات نارية، جرحين في صدره، والثالث في يده اليسرى،
ما يفضي إلى شللٍ وعجزٍ دائمٍ فيها، ويُلقِّب بـ"أكتع ليبنتي"، وهذا لم يمنعه
من المشاركة في معارك حربية أخرى - في نافارينو، وتونس، وجوليتا.
ولمَّا سُمح له بالعودة إلى أسبانيا، إذا به وهو
في بداية الرحلة يوم 26 سبتمبر 1575 يقع في قبضة مجموعة من القراصنة البربر فيأسرونه
ومعه شقيقه "رودريغو" ويبيعونهما في سوق الرقيق بالجزائر.
ولمَّا قامت عائلته بفك أسره، طلب آسروه فدية كبيرة
كونه كما نُمي إليهم بأنَّه من طبقة النبلاء، فعجزت أسرته عن تأمين الفدية ودفعها في
الحال، فبقي في الأسر 5 سنوات حتى تمكَّن أهله من جمعها - رغم محاولته الهروب أكثر
من مرة - وأخيراً وفي 19 سبتمبر 1580 أُفرج عنه، والتحق بعائلته في مدريد.
رواية الحقائق
من المؤكد أنَّ سرفانتس في فترة سجنه في الجزائر
وإقامته في هذه المغارة لم يكتب حرفاً من هذه الرواية كما أشرنا، ولكنه وقد اكتشف حقائق
تجريبية عن المعارك التي خاضها وعن العذاب الذي لقيه، رأى أن يرد بعمل أدبي يتَّسع
لمثل هذه الحقائق التي عاشها، فيكتب رواية في إطار بدائي سحري، فيأخذنا إلى حقبةٍ،
إلى عوالم خرافية أسطورية ، باعتبار أنَّ الحقيقة هي خصم الخرافة الخالد، فإما هي أو
الطوفان.
النقد
سرفانتس في روايته (دون كيشوت) يمارس النقد الاجتماعي
والسياسي لتصرفات النبلاء وأيضاً اللصوص وكأنَّه يمسك بهم، وبشكل ساخر ومأساوي ولكن
وهو خارج الأسر وبعيداً عن مغارته وعن الجزائر التي قامت سلطاتها البلدية والثقافية
بترميمها وإعادة إعمارها في 13/6/2006 باعتبارها أثراً معمارياً وثقافياً عاش فيها
الروائي الاسباني سرفانتس، وهي تقع في أسفل جبل وسط العاصمة الجزائر، إذ يزيد طولها
على سبعة أمتار، فيما ارتفاعها يصل إلى مترين تقريباً وكذلك عرضها، يدخلها الضوء إذ
بالإمكان القراءة والكتابة والتأمل، خاصة في مقدمتها بعد الدخول من بابها الذي يسمح
بمرور شخصين، ولكن ليس لاجئين أو متشردين.
انتقام
رواية "ون كيشوت" أو ما كتبه سرفانتس
قد لا يكون فيه سعيٌ لتحطيم قيم الحقيقة ولا لذاكرتها وعقلها وصورها وفكرها وشعورها،
ولكنَّ فيه انتقامٌ من أولئك الأبطال الذين تصنعهم شعوبهم لحاجةٍ ما، فترفِّعُهم من
رتبةٍ دنيا هي رتبتهم الحقيقية، إلى رتبة أسطورية، على أنَّهم صانعو المعجزات التي
يسخر منها سرفانتس من خلال رحلة فارسه دون كيشوت.
0 التعليقات :
إرسال تعليق