ثلاثة أفلام عربية اختيرت للتنافس على ثلاث جوائز "أوسكار" في ثلاث فئات: أفضل فيلم أجنبي، وأفضل فيلم وثائقي طويل، وأفضل فيلم وثائقي قصير. ثلاثة أفلام عربية مُنتَجة حديثاً، تناولت أحوال ثلاثة بلدان عربية في الراهن المتحرّك سياسياً واجتماعياً وحياتياً. الفلسطيني هاني أبو أسعد روى في "عمر" حكاية حبّ وخيانة وعمالة لحساب العدو من أجل "حفنة" من المشاعر والمصالح الشخصية المتصادمة لألف سبب وسبب. المصرية الأميركية جيهان نجيم حملت الكاميرا إلى "الميدان" في القاهرة أيام الحراك الشعبي العفوي ضد الطاغية، قبل سقوطه وبعد تنحّيه، وعلى امتداد أشهر طويلة عكست انقلابات خطرة في المجتمع والناس، وذلك عبر متابعة دقيقة ليوميات ست شخصيات أساسية (أحمد حسن وخالد عبدالله ومجدي عاشور وراجية عمران ورامي عصام وعايدة الكاشف). "ليس للكرامة جدران" لليمنية الاسكتلندية ساره اسحاق اختارت "جمعة الكرامة" (18 آذار 2011)، التي اعتُبرت بمثابة "نقطة تحوّل في مسار الثورة اليمنية"، محوراً لعملها الوثائقي هذا، السابق على جديدها "بيت التوت"، الذي شارك في "مسابقة المهر العربي للأفلام الوثائقية" في الدورة العاشرة (6 ـ 14 كانون الأول 2013) لـ"مهرجان دبي السينمائي".
لا يُمكن التغاضي عن أهمية الوصول إلى لوائح الترشيحات النهائية لجوائز "أوسكار"، التي تُعلن النتائج الرسمية الخاصّة بدورتها السادسة والثمانين في 2 آذار 2014. فعلى الرغم من كونها أميركية بحتة، باستثناء "جائزة أفضل فيلم أجنبي"، فلجوائز "أوسكار" دعم دولي للأفلام الفائزة والمُرشَّحة في الوقت نفسه. ثم إن بلوغ أفلام عربية مرتبة "الترشيحات الرسمية" يعني، من بين أمور عديدة أخرى، نوعاً من "اعتراف سينمائي أميركي" بحيوية هذه السينمات وقوّة جمالياتها الدرامية والبصرية والفنية. صحيحٌ أن الأهمّ كامنٌ في الفيلم نفسه، وفي مدى استجابته للشرط الإبداعي، كما للحساسية السينمائية في مقاربة المواضيع كلّها. وصحيحٌ أن اختيارات الجوائز الدولية ليست صائبة كلّياً ودائماً، إذ يعتريها "إخفاقٌ" أحياناً في انتقاء الأفضل والأجود فنياً ودرامياً وجمالياً بالنسبة إلى كثيرين. لكن الفوز بجائزة دولية كـ"أوسكار"، أو بترشيح لإحدى جوائزه على الأقلّ، إضافة شكلية تُساهم ببعض الترويج الجماهيري، من دون إحداث أي تبديل في التحليل النقدي الخاصّ بهذا الفيلم الفائز/ المُرشَّح أو ذاك. أي أن العمل السينمائي وحده يبقى الأهمّ، ومناقشته نقدياً وتحليلياً تُصبح "الجائزة" الأفضل له ولصانعيه.
بالإضافة إلى هذا كلّه، فإن اختيار "أكاديمية الفنون والعلوم السينمائية" في هوليوود (مانحة جوائز "أوسكار") فيلمين وثائقيين عربيين مندرجين في إطار الحراك الشعبي العربي الراهن ليس "سينمائياً" فقط، لأن الغرب "مهووسٌ" بهذا النوع من الاشتغالات الفنية، بينما يندرج "عمر" في صلب حكاية الصراع التاريخي بين الفلسطينيين والاحتلال الإسرائيلي، وإن غاص في أعماق البيئة الاجتماعية الفلسطينية ومتاهاتها، من دون التنصّل من واقع الصراع نفسه. هذا كلّه من دون تناسي أن بعض الاشتغالات مرتكز على براعة العمل السينمائي في مقاربة الحكايات والتفاصيل. فـ"الميدان" مثلاً (ترشيح لـ"أوسكار" أفضل فيلم وثائقي طويل) إضافة نوعية على النتاج الوثائقي العربي، لقدرته على تحويل الكاميرا إلى عين تلتقط، وروح ترى المبطَّن أو بعضه، ونَفْس تنبض حياة كتلك التي عاشها مصريون كثيرون لحظة الانقلاب الشعبي العفوي على الطاغية. و"عمر" (ترشيح لـ"أوسكار" أفضل فيلم أجنبي) خطوة إضافية إلى الأمام بالنسبة إلى مخرجه، وخطوة إضافية إلى الأمام أيضاً على مستوى الصورة والمعالجة الدرامية والتفنّن البصري الجمالي في اختراق المبطَّن والمحرَّم معاً. أما "ليس للكرامة جدران" (ترشيح لـ"أوسكار" أفضل فيلم وثائقي قصير)، فمحاولة فنية لمواكبة وقائع العيش على جمر المواجهات الدامية والصاخبة بين مدنيين يريدون حقّاً مشروعاً لهم وقتلة متمسّكين بسلطة تحميهم وتحمي مصالحهم الجُرمية.