'بورقيبة والمسألة الدينية' جدل إلى اليوم


تونس - العلاقة بين الخطاب السياسي والممارسة الاجتماعية للدين في فترة الحكم البورقيبي، تلك هي الإشكالية التي طرحتها الكاتبة والباحثة التونسية أمال موسى في مؤلفها الجديد "بورقيبة والمسألة الدينية" الصادر ضمن سلسلة مقاربات عن دار سراس التونسية للنشر.
ويعتمد هذا الكتاب الذي جاء في 239 صفحة من الحجم المتوسط مقاربة سوسيولوجية ضمن بابين حيث اهتم الباب الأول المتضمن لفصلين بموضوع "الشخصية البورقيبية والإصلاحات التحديثية" وخصص الباب الثاني الذي يضم ثلاثة فصول إلى"المسألة الدينية من خلال تحليل مضمون الخطاب السياسي الرسمي في تونس".
وتتوقف فيه الباحثة عند خطب الزعيم الحبيب بورقيبة مستقرئة ملامح تعاطيه مع المسألة الدينية في سياقات تاريخية مخصوصة وتبعا لوقائع بعينها عرفتها الساحة السياسية والمجتمع التونسي.
وتأتي أهمية هذا الكتاب من كونه بحثا علميا أكاديميا ينأى عن التجاذبات أو الإدانة بل يرنو هذا البحث الذي وينخرط في مجال البحوث الاجتماعية الجادة، وان يقدم قراءة موضوعية تتابع تعاطي الفاعل السياسي مع الظاهرة الدينية.
واشتمل على ثلاثة أنواع من الخطب وهي خطب بورقيبة بمناسبة المولد النبوي الشريف بجامع الزيتونة وغيره من المساجد وخطب ألقيت في مناسبات سياسية وأخرى ألقاها بورقيبة في رحلاته إلى السعودية وتركيا وموريتانيا.
أما مقاييس اختيار هذه الخطب فهي ثلاثة أولها حدثي آني والثاني متعلق بالجمهور الموجه إليه الخطاب في حين اتصل المقياس الثالث بالمجالات ذات العلاقة المباشرة أو غير المباشرة بالمشروع المجتمعي التحديثي.
كما سعت آمال موسى إلى توظيف تقنية الحوارات المعمقة لإثراء البحث وذلك من خلال الحديث مع شخصيات تتمتع بصفة الشاهد المتميز والتي عايشت بورقيبة وواكبت بحكم موقعها أطوار بناء الدولة الوطنية الحديثة.
وإذا كان الزعيم بورقيبة قد شكّل موضوعا أثيرا للمؤرخين وللساسة الذين سجلوا شهادتهم على العصر وأرخوا للحركة الوطنية من خلال أحد رموزها فإن انخراط الباحثين في مجال الإعلام والسوسيولوجيا يعد محدودا ومن هنا يأخذ بحث بورقيبة والمسألة الدينية للباحثة أمال موسى فرادته.
وتوقفنا الباحثة موسى أيضا عند ظاهرة التناقض والازدواجية في كل من قضيتي الحجاب والتجنيس، الشيء الذي يكشف عن عمليات مختلفة للتسييس والمناورة والتوظيف.
وتحاول الباحثة أن تستفيد من الوظيفة الاجتماعية للدين حيث انتهت الباحثة بعد التحليل إلى الاقرار أنه من الصعب معرفيا الاطمئنان لفرضية علمانية الموقف البورقيبي لافتقادها لفلسفة مادية مطلقة.
واستنتجت آمال موسى أن تعاطي بورقيبة مع الدين يتصف بالنفعية والبراغماتية وبالأسلوب الانتقائي والواقعية. ومثل هذه الأوصاف تعني بأن شروط تحقق الدولة العلمانية التي تفصل بين السلطة الروحية والسلطة السياسية غير متوفرة.
ولا تتجاوز علاقة الدولة بالدين حدود التوظيف ولا تحمل أية اعتبارات فكرية وسياسية. لدلك فان ظاهرة التناقض في الخطاب وجدلية التخفي والتجلي والتواصل والتمايز، كلها تندرج في إطار التكتيك السياسي وتلبي مصالح الدولة وتستجيب لمقتضيات التعبئة السياسة.

وخلص الكتاب إلى أنه بقدر ما يصح نسبيا على تجربة بورقيبة وصفها بالتحديثية فانه في المقابل يصعب وصفها بالعلمانية الكلية، وربما يعود ذلك إلى ضرورة تعتق شروط العلمانية مع الزمن والأجيال وتراكم الخبرات والممارسة.
شاركه

عن ABDOUHAKKI

هذا النص هو مثال لنص يمكن ان يستبدل في نفس المساحة ايضا يمكنك زيارة مدونة مدون محترف لمزيد من تحميل قوالب بلوجر.
    تعليقات بلوجر
    تعليقات فيسبوك

0 التعليقات :

إرسال تعليق

أدب رقمي

حصريات

تكنلوجيا

بالصوت وصورة

سلايدر شو

.

صور فلكر

اخر الاخبار

:إبداع

عالم حواء

عن القالب

صفحتنا

اخر الاخبار