نيويورك- كيف تُعطَى جائزة لجائزة؟ كيف يتم الاحتفاء
بجائزة تعمل هي نفسها على الاحتفاء بأعمال أخرى؟ هذا ما يطرحه بين أيدي الزائرين وحتى
يناير 2014 متحف المورغانز "The Morgan's Library &
Museum" في مانهاتن-نيويورك
بعرض مقتنياته النادرة المكونة من أكثر من أربعة آلاف قطعة تخص كل ما يتعلق بجائزة
البوكر للرواية الإنكليزية، احتفاءاً بالجائزة وتقديراً لما أسهمت به منذ عام 1969
من تشجيع للكتابة وإبراز للإبداع وهندسة مختلفة للتعاطي مع المنجز الأدبي.
كأن متحف المورغانز أراد للزائر أن يعيش تجربة حميمة
مع أعمالٍ روائية لم تكن قبل فوزها بجائزة البوكر سوى اشتغالٍ حميمٍ، سوى اختفاءٍ طويلٍ
في القبو وانكباب حار على الكتابة والتأليف. ربما لهذا كانت قاعة المعرض صغيرة كأنها
غرفة تزدحمُ إذا شغلها أكثر من خمسة أشخاص.
في رفٍّ طويلٍ يسير على الجدران الأربعة، وضعت نسخٌ
أولى من آخر الأعمال الفائزة بالجائزة، لفتت نظري رواية سلمان رشدي ورواية حياة باي.
للتقادم فعلٌ لا يخطئ الكتب والورق رغم آليات الحفظ
المتبعة في المتحف.لكن سَيرَ الكتب لا يهدف فقط إلى عرض النسخ الأولى من الأعمال الفائزة
وفعل الغبار عليها، بل للفت النظر إلى صنعة تصميم الأغلفة.
تلك الصنعةُ المظلومة في العالم العربي، إذ لا أعرف
شخصياً سوى أسماء عابرة -وأنساها غالباً- صادف أن عرفتها عندما تساءلتُ عن تصميم كتبٍ
أحببتها، هكذا انتهى بأدونيس مثلاً إلى وضع لوحاته على كتبه بدل أن يوكل المهمة لأحدٍ
آخر، و أن يكون من حُسن حظ محمود درويش أنّ من صمّم غلاف جداريّته قد قرأها وعاشها
وأبدع غلافها الذي كُتبت فيه أوراقٌ نقدية ومقالات كثيرة.
يعرض المعرضُ أيضاً مخطوطات لبعض الروايات الفائزة
التي استطاع أن يحصل عليها بطريقة ما. ترى جنون المؤلفين وخطوط أيديهم المختلفة والأقواس
والأسهم التي تشيرُ إلى خلف الصفحة في طاولة كبيرة في المنتصف.
أحبَبت أيضاً تلك النسخ التي جُلبت من لجان التحكيم،
من النقّاد الذين رشّحوا الأعمال الفائزة لترى ملاحظاتهم على الصفحة الأولى من الكتاب،
لترى رسائل الترشيح المكتوبة بقلب صادق ورؤية نابضة وتحليل أكاديمي مرموق. حُكّامٌ
كان لهم دورٌ كبير يجب إبرازه في دفع حركة الأدب إلى الأمام كصَدر السّفينة.
إعلانات انطلاق الجائزة، قائمات الترشيح، القلق
المستبد في تصميم تلك الملصقات بما يجذب الكاتب لتقديم أعماله للقارئ لمتابعة وقت إعلان
الرواية الفائزة.
جذبتني حقاً بطاقة دعوةٍ للعشاء تعود إلى تاريخ
1971 في لفتة حضارية وراقية حقاً لأن ينتهي المتنافسون على الجائزة إلى أن يكونوا خصوماً
أصدقاء، وفرحين بما ينجزون بعيداً عن الجائزة وترشيحاتها، رغم أن الجائزة لثقلها وشهرتها
لا تعتبر فقط دفعاً معنوياً للفائز، بل هي من جانب آخر تزيد نسبة مبيعات الكتاب وترجمته
الأكيدة إلى لغات العالم كلها بما يتيح للفائز راحةً ماليّة ليتفرغ للاشتغال الأدبي
مدى حياته دون الحاجة إلى الالتزام بأعمال أخرى، كما كان بعض الفائزين سائقي تاكسي
أو غسّالي صحون. دفعت البوكر بالنقد الروائي إلى فضاءات جديدة ساهمت بذلك في الحياة
الأكاديمية والثقافية للأدب وتفاعلاته في محيطها الإنكليزي والعالمي.
0 التعليقات :
إرسال تعليق