داعش تدمر حضارة الموصل !عبدالجبار العتابي
ها هي معالم مدينة الموصل تتهاوى في الساحات التي
كانت تقف فيها تزينها وتشير إلى عظمة المدينة التي تمتلك تاريخا وتراثا كبيرين، فقد
شملت الانتهاكات التي قامت بها (داعش) اغتيال الشاعر ابو تمام الطائي، وفجرت تمثال
الموسيقار الملا عثمان الموصلي، ونبشت قبر المؤرخ ابن الاثير، صاحب كتاب الكامل في
التاريخ
عبد الجبار العتابي من بغداد: أبدى العديد من المثقفين
والفنانين العراقيين عن صدمتهم لما يحدث في مدينة الموصل من تهديم للمعالم وتحطيم للآثار،
حيث قررت «الدولة الإسلامية في العراق والشام» إزالة كل التماثيل الفنية الموجودة في ساحات وشوارع الموصل،
فضلا عن نيتها حرق تدمير الكنائس هناك، ويمكن الاشارة إلى ان داعش ازالت وحطمت تمثال الشاعر العباسي ابو تمام في منطقة باب الطوب
وقد نحته النحات نداء كاظم، وتمثال الموسيقار والعالم الملا عثمان الموصلي مقابل محطة
قطار الموصل، والذي نفذه النحات فوزي اسماعيل ونبش قبر ابن الاثير الواقع في باب سنجار.
ويرى الكثير من المثقفين، ان ازالة هذه المعالم
الحضارية، دليل على ظلامية القائمين بهذه الأفعال الشنيعة التي لا تمت للحضارة بصلة
وتؤكد على انهم عناصر همجية تعود إلى عصور مظلمة سحيقة، فهذه التماثيل دلالات على عظمة
المدينة بتاريخها العريق الممتد إلى اقاصي الحياة ومدنيتها، وعلى إبداع ابنائها عبر
الأزمنة في مختلف المجالات، وما هذه القامات الشامخة، إلا دلالة على ان هذه المدينة
تتباهى بالانجازات على مر الأزمنة، واكدوا ان مجرد تهديم هذه المعالم يعني اساءة للشعر
والفن والحياة حيث ان هؤلاء الثلاثة الكبار كانت أمجادهم عناوين مضيئة، تتمثل في ما
حققوا من روائع انسانية ظلت سامقة على مر السنوات، فكانت هذه التماثيل اغنيات وفاء
تصدح عبر الازمنة، والعصور لتؤكد عظمة المكان والانسان، وقد احتفظت الذاكرة بالكثير
من نتاجاتهم التي كانت تنمو وتترعرع مع الاجيال الموصلية التي تبدي اعتزازا بها.
وقد ناشدت منظمة الامم المتحدة للثقافة والفنون
الاطراف المتناحرة في العراق، حماية ارث البلاد الحضاري، محذرة إياها من ان التعرض
للآثار والمواقع الدينية سيعد "جريمة حرب." وعبرت ايرينا بوكوفا رئيسة المنظمة
عن خشيتها من تعرض ارث العراق الحضاري للتدمير والسرقة.
واذ يتأسف الكثيرون لهذه الوقائع التي توجع الرأس وتعتصر القلب، فإنهم
يتغنون بهذه الاغنية الموصلية التي تملأ الفضاءات بقوتها وعذوبتها (يردلي كم يردلي....
سمرة قتلتيني/ خافي من رب السما وحدي لتخليني / مغيتو عا بابها عتنقش الوغدي/ راس ابغتو
من ذهب وبغيسمو هندي، ادعي من رب السما ليلة غدا عندي / وافرش فراش الفرح ومخدتو زندي)،
لتجدد تمسكها بالتراث والارض.
وليس هنالك ابلغ مما قاله الشاعر عبدالله البردوني في مهرجان اقيم في
الموصل يحمل اسم (ابو تمام) وقد خاطبه قائلا:
مـاذا تـرى يـا (أبا تمام) هل كذبت أحـسابنا؟ أو تـناسى عـرقه الذهب؟
عـروبة الـيوم أخـرى لا يـنم على وجـودها اسـم ولا لـون ولا لـقب
تـسـعون ألـفاً (لـعمورية) اتـقدوا ولـلـمنجم قـالـوا: إنـنـا الـشهب
انتظروا قـبل انتظار قطاف الكرم ما نـضج الـعناقيد لـكن قـبلها التهبوا
والـيوم تـسعون مـليوناً ومـا بلغوا نـضجاً وقـد عصر الزيتون والعنب
تـنسى الـرؤوس العوالي نار نخوتها إذا امـتـطاها إلى أسـياده الـذئب
أبو تمام
أبو تمام (804 ـــ 846 م) المولود في إحدى قرى حوران
السوريّة أيّام حكم هارون الرشيد، رحل إلى مصر واستقدمه الخليفة المعتصم إلى بغداد
وفضّله على غيره من الشعراء، ثمّ أقام في الموصل بعد تولّيه بريدها. بقي لعامين فيها
ليتوفى هناك. له من الآثار المكتوبة: «فحول الشعراء»، و«ديوان الحماسة»، و«مختار أشعار
القبائل»، و«الوحشيات» وهو ديوان الحماسة الصغرى، وديوان شعره
الموصلي
اما ابن الاثير فهو عز الدين أبي الحسن الجزري الموصلي (555-630 هـ) المعروف
بـ ابن الأثير الجزري، مؤرخ إسلامي كبير، عاصر دولة صلاح الدين الأيوبي، ورصد أحداثها
ويعد كتابه الكامل في التاريخ مرجعا لتلك الفترة من التاريخ الإسلامي، ولد في 4 جمادى
الآخرة سنة 555 هـ بالجزيرة المسماة في المصادر العربية الإسلامية بجزيرة ابن عمر.
وهي داخلة ضمن حدود الدولة التركية حالياً في أعالي الجزيرة السورية، وقد عني أبوه
بتعليمه، فحفظ القرآن الكريم، وتعلم مبادئ القراءة والكتابة، رحل إلى الموصل بعد أن
انتقلت إليها أسرته، فسمع الحديث من أبي الفضل عبد الله بن أحمد، وأبي الفرج يحيى الثقفي،
وكان ينتهز فرصة خروجه إلى الحج، فيعرج على بغداد ليسمع من شيوخها الكبار، من أمثال
أبي القاسم يعيش بن صدقة الفقيه الشافعي، وأبي أحمد عبد الوهاب بن علي الصدمي. ورحل
إلى دمشق وتعلم من شيوخها وعلمائها واستمع إلى كبار فقهاء الشام واستمر فترة من الزمن،
ثم عاد إلى الموصل ولزم بيته منقطعا للتأليف والتصنيف.
والملا عثمان عبد الله فقد ولد في الموصل سنة 1854 ورعاه وهو صبي اعمى
جار والده الحاج محمود سليمان العمري وهيأ له من يعلمه العلوم العربية والموسيقى، ثم
رعاه ابرز رجال الموصل مثل الشيخ محمد، عاش الموصلي حياة عريضة دخل خلالها قصر السلطان
عبد الحميد قارئاً القرآن وصديقاً لابرز مشايخ الدولة العثمانية الشيخ (أبو الهدى)
الصيادي، وجال الملا عثمان في الاستانة وحل في مصر حيث درس على يده الموسيقار كامل
الخلعي والشيخ علي محمود استاذ زكريا أحمد والشيخ أحمد أبو خليل القبابي والنابغة سيد
درويش الذي ظل يواصل الدرس على يديه حتى مغادرته مصر سنة 1909.
ويعتبر الموصلي، واضع اسس الاغنية الحديثة فقد تتلمذ
على يده عدد من الفنانين والموسيقيين العرب من مصر وبلاد الشام، ومنهم خليل قباني وعبد
الحمولي وسيد درويش، وقد اخذ منه الأخير عدداً من الالحان التي وضعها في اطار الانشاد
العاطفي، وهو صاحب اغنية ” زوروني في السنة
مرة حرام “ التي غنتها السيدة فيروز.
0 التعليقات :
إرسال تعليق