"سيمياء القصّة العربية" لأنطوان طعمة:
تبسيط العلوم المرجعية في النقد الأدبي :أنطوان أبي زيد
صدر للباحث الأكاديمي أنطوان طعمة كتاب "سيمياء
القصّة العربية"، عن "دار النهضة العربية"، هو كناية عن أبحاث نُشرت
غالبيّتها (أربعة من خمسة) في مجلاّت مختصّة، ما عدا الفصل الخامس غير المنشور،
"السيمياء وتعلّمية النص القصصي".
الفصل الأوّل من الكتاب، "نحو دراسة منهجية
للأدب القصصي:المرحلة التأسيسية"، يتضمن بعض المصطلحات النقدية التي تشكّل منطلقات
وأسسا لعلم جديد هو السيمياء، أو الرموزية الأدبية، التي ترى الى الأدب والى لغته مجموعاً
من أنظمة الرموز، متناسقا، وحاملا دلالات تستدعي النظر الموضوعي والمنهجي لاستجلائها.
يعمد الباحث في الفصل الأول الى التعريف بماهية السيمياء باعتبارها علما "يُعنى
بدراسة مختلف أنظمة الرموز اللغوية وغير اللغوية التي يستخدمها البشر في التواصل، وفي
التعبير عن شخصيّتهم الحضارية المتمثّلة بالثقافة". ثمّ ينتقل الى تحديد أسس البحث
المنهجي الذي يعتمده في الفصول اللاحقة، ومن أهمّها، على التوالي: حصر المدوّنة، ويعني
بها مجموع النصوص أو العمل الأدبي (القصصي) التي يزمع الباحث تفعيلها وإجراء الدراسة
عليها، دون غيرها من النصوص، مع الأخذ في الاعتبار الإطار التاريخي الذي اندرجت فيه
هذه المدوّنة. ليس خافيا ما لهذا التحديد من فوائد، أهمّها حصر انتباه الدارس في موضوع
دراسته، ضمانا لشموله والتعمّق فيه واستجلاء أبعاده وبنيته العميقة.
يعيّن طعمة الحدود التي يفترض للدراسة السيميائية
أن تراعيها؛ فلا ينسى الركون الى النص القصصي، وتبيّن رموزه ومستوياته وأساليبه ودلالاته
كافة وعوالمه، أي ما يسمّى بالدراسة الداخلية، ولا يهمل التطلّع الى بعض الأبعاد الخارجية،
كعوامل التاريخ وبيئة الأديب وزمنه وأحداثه، تلك التي يستدعيها النص استدعاء، وهذا
ما يُدعى بالدراسة الخارجية.
يفترض بالمحلل، بحسب طعمة، أن يُخضع نصّه لنوع من
"خريطة الاتجاهات المحتملة" ، فيختار من معاييرها ما يناسب النصّ القصصي
موضوع التحليل، ومكوّناته ومستوياته. ومن هذه المصطلحات التي يراها الباحث كاشفة عن
هذه المكوّنات والمستويات وخصوصية النص: النسيج القصصي، أو الحبكة القصصية، والخطاب
المباشر، والخطاب غير المباشر، والتداخلات بين نوعي الخطاب المذكورين، وتداخلات الراوي
في السّرد، ووجهة النظر، وعناصر شبه العالم (المكان، والزمان، والشخصيات، وعالم الحيوان)،
والقضايا اللافتة في النص، واللغة والأسلوب. لا يكتفي الباحث بعرض هذه المصطلحات الواصفة،
بل يعطي أمثلة على فعاليتها من نصوص "دمشق الحرائق"، و"الصبي الأعرج"،
و"عشر قصص" وغيرها.
في الفصل الثاني يعرض منهجه السيميائي، مفصّلا رأي
جورج مونان وجان مولينو في السيميائية، ومبيّنا وجود ثلاثة توجّهات في المقاربة التطبيقية
للقصّة: مقاربة بناء الحبكة، مقاربة شبه العالم القصصي والروائي، والنسيج القصصي أو
الهيكلية القصصية، من دون أن يغفل التثبّت من بعض النظريات والمصطلحات المؤثّرة في
دراسة العمل الأدبي، أو النظير في النص، ودوره في تأمين الائتلاف الدلالي والبنائي،
ومكانة فعلي الماضي والمضارع في النص العربي، ولا سيّما ما وضعه فاينريش وغريماس في
هذا الخصوص.
في الفصل الثالث يبيّن تسرّع بعض النقّاد في تصنيفاتهم
النقدية المسبقة والإيديولوجية حول اعمال مارون عبود، باعتبارها محلّية الطابع أو ذات
أبعاد طبقية واجتماعية محدودة، بأن عاد الى النص، بل النصوص المعنية، واستكشف بناها
وأبعادها، خالصا الى أنّ عبّود تسنّى له "النفاذ من المغلق (البيئة القروية) الى
المطلق (البيئة الإنسانية) "بقضاياها ومعضلاتها وتطلّعاتها". في الفصل الرابع
مقاربة تربوية سيميائية لروايتي رشيد الضعيف "عزيزي السيّد كواباتا" و"ناحية
البراءة"، مسألة المؤتلف والمختلف، من خلال تحليله لعبة المرايا المتعاكسة والمتكسّرة،
وتعدد الأصوات حتّى التشظّي اللتين لجأ اليهما الكاتب في الروايتين. الفصل الخامس والأخير
دراسة غير منشورة عن "السيمياء وتعلّمية النص القصصي"، تعالج الحدود الهزيلة
التي بلغتها المقاربة التقليدية، سواء في الكتاب المدرسي أو في النقد الصحافي، فيعاود
تصويب المصطلحات الأساسية من مثل تداخل النمطين السردي والوصفي، والتداخل بين الخطابات
ذاتها، وتداخل المناجاة بالأنماط في النص السردي، والحبك في العالم القصصي وغيرها من
المصطلحات التي يُساء فهمها واستثمارها في المتداول من النصوص النقدية والميسّرة. وكانت
له نصوص قصصية لتوفيق يوسف عواد وميخائيل نعيمة ونجيب محفوظ وهدى بركات وزكريا تامر
خير أمثلة على بطلان المقاربة التقليدية، وفعالية المقاربة السيميائية.
0 التعليقات :
إرسال تعليق