دو ليبيرا: التواصل بين الثقافات دليل الانفتاح
مرسيليا- اختتمت في مدينة مرسيليا الدورة العشرون
لـ"لقاءات ابن رشد" التي يشرف عليها الباحث والكاتب تييري فابر مع مجموعة
من المفكرين والبحاثة، وتهدف بحسب فابر أن تكون بمثابة فضاء عام للنقاش وتبادل الأفكار
والطروحات حول شؤون دول ضفتي المتوسط في الماضي والحاضر والمستقبل بعيداً عن الأفكار
المسبقة والصور النمطية التي تكرس فكرة الصراع والحروب بين الحضارات.
حملت هذه اللقاءات اسم الفيلسوف العربي ابن رشد
لكونه يمثل الوجه المضيء في التراث الفلسفي العربي خلال مرحة القرون الوسطى، وكان له
دور حاسم في الثقافتين العربية والأوروبية خلال هذه المرحلة، أي أنه يجسد تلاقي الثقافتين
اللاتينية والعربية الإسلامية في أبهى تجلياتها. ما يميز دورة هذا العام هو انعقادها
في إطار نشاطات "مرسيليا عاصمة للثقافة الأوروبية" التي تتميز بأجواء احتفالية
وبافتتاحها لمتحف جديد هو متحف "موسم" الرائع من حيث التصميم والهندسة والمطلّ
على البحر في قلب المدينة القديمة، وهو مخصص بأكمله للثقافة المتوسطية بأشكالها الإبداعية
المختلفة.
ضمن فعاليات لقاءات ابن رشد، عقدت مجموعة كبيرة
من الطاولات المستديرة ومنها تلك المخصصة لموضوع الذاكرة والتراث الثقافي وكيفية توارثه.
من المشاركين في هذه اللقاء ألين دو ليبيرا، الباحث في تاريخ الفلسفة والأستاذ في جامعة
الكوليج دو فرانس، أعرق المعاهد الفرنسية، وهو إلى ذلك من مؤسسي لقاءات ابن رشد ومن
فريق العمل التي تتألف منه.
وقد افتتح موسم هذا العام بمحاضرة مميزة تتمحور
حول تواصل التراث الفلسفي وأهمية الدور الذي قامت به المراكز الفلسفية في كل من مدن
أثينا وقرطبة والقدس. نشير الى أن البروفيسور ألين دو ليبيرا هو من أبرز الأصوات الفرنسية
والأوروبية اليوم التي تؤكد وبصورة موضوعية على إسهام الثقافة العربية والإسلامية في
مرحلة القرون الوسطى في نقل الفلسفة اليونانية إلى أوروبا، ومن أبرز معالمها المرحلة
الأندلسية التي كان لها أثر كبير في النهضة الأوروبية لاحقاً.
بن رشد الوجه المضيء في التراث الفلسفي العربي
وتقتضي الإشارة إلى أنّ ألين دو ليبيرا كان أحد
الذين ردّوا بموضوعية على كتاب بعنوان "أرسطو في دير جبل القديس ميخائيل/ الجذور
الإغريقية لأوروبا المسيحية". وهذا الكتاب هو من تأليف الباحث والأستاذ الجامعي
الفرنسي سيلفان غوغنهايم وقد نقض فيه دور الحضارة العربية الإسلامية في نقل العلوم
والفلسفة والمعارف إلى أوروبا، كما غيّب تماماً مساهمة الحضارة الأندلسية في هذا المجال.
في هذا السياق، أعلن ألين دو ليبيرا أنّ كتاب غوغنهايم الذي أثار سجالا كبيراً في الإعلام
الفرنسي ليس "أكثر من تمرين تاريخي متخيّل" وهو يليق بمن سمّاهم "هواة
الصليبيين".
بموازاة الأصوات الأوروبية، برزت في لقاءات ابن
رشد أصوات عربية عدة منها الباحث في شؤون الفلسفة والأكاديمي المغربي علي بنمخلوف الذي
شارك إلى جانب ألين دو ليبيرا في الطاولة المستديرة المخصصة للذاكرة وتناقل التراث
الثقافي.
أما كل من الكاتب والباحث اللبناني جيلبير أشقر
والكاتب والباحث السوري سلام كواكبي فقد ساهما في شرح الحراك الثوري الذي تعرفه المجتمعات
العربية منذ انطلاق ما يسمى بـ "الربيع العربي" على الرغم من كل ما يشهده
هذا الربيع من انتكاسات لأسباب عديدة منها وحشية النظام الاستبدادي العربي كما في الحالة
السورية والصراعات الإقليمية والدولية في المنطقة.
وكان للصوت النسائي العربي حضوره أيضاً في لقاءات
ابن رشد مع أستاذة مادة التاريخ في جامعة القديس يوسف في بيروت كارلا إده، ومصممة الرقص
والناشطة الاجتماعية اللبنانية يلدا يونس.
لا تنحصر لقاءات ابن رشد بالطاولات المستديرة والنقاشات
فقط، بل كانت هناك أيضاً حفلات موسيقية ومنها سهرة مع المغني رشيد طه، فضلاً عن عروض
سينمائية ومنها فيلم بعنوان "الانتظار" للمخرج الإيطالي ماريو ريزي، وهو
شهادة عن مخيم الزعتري للاجئين السوريين في الأردن.
الفيلم يصف مشاهد من الحياة اليومية لسكان المخيم
وقد صور في خريف عام 2012 وكان يقيم فيه وقتها حوالى خمسين ألف لاجئ، أما اليوم فقد
زاد عددهم ليتجاوز المئة الف. أقام المخرج في المخيم سبعة أسابيع مسلّطاً الضوء على
معاناة هؤلاء مع التركيز على النساء ومنهنّ أرملة تدعى إخلاص تعيش في المخيم مع ثلاثة
من أولادها وهي كغيرها من سكان المخيم تنتظر رحيل بشار الأسد ونهاية الحرب حتى تعود
إلى بلادها.
0 التعليقات :
إرسال تعليق