لا مكان تبدأ مِن جغرافيته. ولا زمان تنطلقُ من
إيقاعِهِ. التضاريسُ وهمٌ يا صديقي. وعقاربُ الساعة خدعةٌ بصرية. تقولُ لي إنَّها الأرض
والمجموعة الشمسية. تقول إنها الحياة والعمر والأجل المحتوم. وتقول إنها قطعٌ من أثاث
السيرة الذاتية، بحلوها ومرّها وخيرها وشرّها. أجل. بلى. نعم. حقاً. لا. كلا. لن. أبداً.
وبين هذه وتلك تخلص إلى نتيجة عنقودية. كالقنبلة العنقودية. تماماً. توقيتات متفاوتة
وانفجارات مفاجئة. تتلوها التوابيتُ المعدّة سلفاً والتوابيت الطارئة والأكفان غير
المتوقّعة. وبين هذه وتلك تنفذُ إلى جوهرٍ تحسبه عَرَضاً، وإلى عَرَضٍ تخاله جوهراً.
ثم تجلسُ إلى ذاتِكَ. تضعُ ساقاً على ساق. تعتصر جبينَكَ بأصابع مُرهقة وتخاطب نفسك
بهدوء فاجع: دنيا؟ وحياة؟ هذا هو التعريف الرائج. هذا هو التشخيص المعتمد. هذا هو الحكم
المألوف المتعارف عليه. وقد تقع في شرك الحزن. وقد تقع على لُبّ الحقيقة وأنت تتمتم
في رصانة البركان وهدوء العاصفة: دنيا؟ وحياة؟ لا بأس عليك. إستَطرِدْ يا عزيزي. وستعثر
على كيانِكَ المتلاشي، الآيل إلى الانهيار، في أبديّة مجهولة، ستعثر على عضلات لسانك
في حركتها الأخيرة وهمسها الختامي: "منفضة.. إنها مجرّدُ مِنفضة. لطالما سجّيتُ
فيها رمادَ جسدي وغبطتي، قميصي ومحنتي، ناري وجنّتي".
يتضمن الكتاب محطات مختارة من مشوار شاعرنا العربي،
ويركز على عام النكبة والجرح الذي لا يزال نازفاً ويطرح أسئلة الحياة والموت التي تزداد
إلحاحاً بعد أن وصلت قوات الهاجناه قرية الرامة مسقط رأس الشاعر عام 1948.ماذا سيفعل
بنا اليهود إذا بقينا هنا؟ إخواننا النصارى يحميهم الإنجليز ونحن من يحمينا؟ نحن أهل
الرّضا والتسليم فهل نتخلَّى عن عقيدتنا؟ ألا يجوز أن تنتهي هذه الحرب باتفاق العرب
واليهود وانتهاء المشكلة بسلام؟ لماذا لم نقبل باقتراح علي الحسين؟ لماذا لم نرحل إلى
الشام، حيث نستطيع تدبير أمورنا؟
0 التعليقات :
إرسال تعليق