ماريون كوتيار ويواكين فونيكس في لقطة من «المهاجرة»
لجيمس غراي (عن «إنترنت»)
نديم جرجوره
لا يرضخ «مهرجان بيروت الدولي للسينما» أمام أي
تحدّ. لعلّ التحدّيات التي يواجهها عاماً تلو آخر تزيد منظّميه إصراراً على الاستمرار،
وعلى إيجاد ما يُعينهم على تنظيم دورة جديدة. الالتباسات التي رافقته لم تقف حائلاً
دون بلوغه الدورة الثالثة عشرة، المقامة في صالات المجمّع السينمائي «أبراج» (فرن الشباك)
بين 2 و10 تشرين الأول 2013. الملاحظات النقدية التي قيلت من أجله تبدّدت أمام ارتكاز
إدارته على نمط واحد لا يتبدّل: برامج متفرّقة، مسابقتان اثنتان فقط، وأفلام يتمّ الحصول
عليها بفضل علاقات عديدة.
الاقتناع بأن مهرجاناً كهذا لن يتبدّل يُساهم في
متابعة أيامه برويّة. أفلام مختارة تسمح بمشاهدة ممتعة. بعض عناوين البرامج دعوة إلى
اكتشاف جديد ما في مقاربة سينمائية لأحوال وحكايات. كوليت نوفل تبدو كأنها تعمل وحيدة
من أجل مهرجان جعلته مرادفاً لحياتها. جعلته حياة لها. الأسئلة كثيرة. الالتباسات أيضاً.
الأيام الموعودة كفيلة بقول أشياء عديدة. لكن المهمّ، حالياً، كامنٌ في أن «الأوضاع
الأمنية غير المستقرّة»، أو «الوضع المضطرب في لبنان»، كما قالت نوفل، لن تعيق إقامة
دورة تُفتتح بفيلم افتتح الدورة الـ70 (28 آب ـ 7 أيلول 2013) لـ«مهرجان البندقية السينمائي
الدولي». مع أن «جاذبية» ألفونسو كوارون (تمثيل جورج كلوني وساندرا بولوك) أثار استياء
لدى نقّاد مشهود بمصداقية كتاباتهم، إلاّ أن افتتاحه المهرجان البيروتي بعد أسابيع
قليلة على افتتاحه مهرجاناً دولياً مُصنّفاً فئة أولى يحرّض على طرح سؤال العلاقة الغامضة
بين آلية عمل المهرجان الأول، وارتباطه بالسينما.
هذا السؤال منسحبٌ، أيضاً، على ملاحظة أبدتها نوفل
في مؤتمرها الصحافي المنعقد قبل ظهر الأربعاء 18 أيلول 2013 في «فندق لو غراي»، للإعلان
عن برنامج الدورة الـ13: «بعض هذه الأفلام يعود إلى أعوام سابقة»، ومع هذا «ارتأينا
إدراجها ضمن البرنامج، لاقتناعنا بأن الجمهور اللبناني يجب ألاّ يُحرم من فرصة مُشاهدة
هذه الأفلام البديعة، التي لا يُعرض معظمها في الصالات التجارية». هذا يعني أن المهرجان
يُقدّم نفسه بديلاً عن الصالة التجارية. هذا يعني أن لا اهتمام يُذكر بتاريخ إنتاج
بعض الأفلام، ما دام العرض «النخبوي» أحد الأهداف. هذا يعني أن «وظيفة» المهرجان البيروتي
الشرق أوسطيّ الدولي تتيح «للجمهور اللبناني (نفسه) مشاهدة تشكيلة غنية من الأفلام
الجميلة، التي استحوذت على الإعجاب في أهم المهرجانات العربية الدولية». فهل هذه هي
«وظيفة» المهرجان السينمائي؟ أم أن المهرجان البيروتي يتفرّد بابتكار خصوصية به؟ المشاهدة
غير التجارية مهمّة وضرورية. لكن المهرجانات الرسمية مطالَبة بتجاوز هذه «الوظيفة»
إلى ما هو أبعد وأنشط. «الأوضاع الأمنية» لا تسمح بأكثر من هذا؟ ربما. إذاً، فليكتف
الـ«سينيفيليون» بهذا، من أجل مُشاهدة هادئة وسليمة.
فيلم الافتتاح مثير للمُشاهدة، تماماً كفيلم الختام
«المهاجرة» للأميركي جيمس غراي (تمثيل الفرنسية ماريون كوتيار والأميركي يواكين فونيكس).
الاختلاف السينمائي كبيرٌ بين المخرجين. الفيلم الأول خيالي فضائي. الفيلم الثاني واقعي
إنساني. لكن، بينهما، هناك 77 فيلماً ستُعرض في البرامج الثمانية التي اعتاد «مهرجان
بيروت الدولي للسينما» الاستعانة بها في تنظيم دوراته السنوية. من مسابقتي الأفلام
الشرق أوسطية القصيرة والوثائقية إلى «بانوراما دولية» و«ركن الأفلام اللبنانية»، هناك
أيضاً «أفلام حقوق الإنسان» و«أفلام المطبخ والغذاء» و«أفلام الأطفال». ولعلّ الأبرز
كامنٌ في البرنامج الاستعاديّ الخاصّ بالمخرج الروسي ألكسندر سوكوروف (في 14 حزيران
2013، بلغ الثانية والستين من عمره)، الذي يضمّ أربعة أفلام له: «مولوخ» (1999)، و«الثور»
(2001)، و«الشمس» (2005)، «فاوست» (2011).
إذاً، الدورة الـ13 دعوة مفتوحة إلى مشاهدة أشكال
وأساليب وأعمال مختلفة. دعوة إلى متابعة الأيام الثمانية عبر السينما، ولا شيء آخر
غير السينما. أما الباقي، فلم يعد مهمّاً أمام أولوية السينما وطقوسها وأفلامها وفضاءاتها،
شرط أن يسمح «تنظيم» هذه الدورة بالتمتّع بها وبأفلامها.
نديم جرجوره
0 التعليقات :
إرسال تعليق