زياد الخزاعي
اليوم التالي، بعد ليلة افتتاح الدورة الـ67 (14 ـ 25 أيار 2014) لمهرجان «كانّ» السينمائي، سيكون استثنائياً وتاريخياً في آن واحد. فيه، تُحافظ «نقابة المخرجين السينمائيين الفرنسيين» على قرار اتّخذته سابقاً، متعلّق بتكريم ألان رينيه بجائزة خانة «أسبوعا المخرجين» التي تشرف عليها، وبعرض فيلمين له، الأول روائيّ قصير بعنوان «أغنية سايرين» (1958)، والثاني روائيّ طويل بعنوان «العناية الإلهية» (1977). فبدلاً من الدعاء له بحياة مديدة، تحوّل الأمر إلى عزاء برحيله عن 91 عاماً في الأول من آذار 2014. فقد أشاع غياب صاحب «هيروشيما حبيبي» (1959) كَمَداً في وسط سينمائي احتفل بنصّه «أن تحبّ، أن تشرب، أن تغنّي» (2014) في برلين، وتوّجه مهرجانها بـ«دبّ فضي» لأنه «يفتح آفاقاً جديدة»، قبل أن يكتشفوا أنه وصيّته حول غدر الأقدار وميتاتها المتتالية، جسداً وروحاً وأخلاقاً وطبقية.
عناوين مثيرة
لا خلاف على أن مسابقة «كانّ» أصبحت سلّة عروض لثلّة مضمونة القوّة. فالمدير التنفيذي تييري فريمو لن يسعى إلى تخطّي أسوارها وتحصينها إلاّ بكبار مكرّسين. في أعوام أخيرة، بلغت المجاملات حداً لا يُطاق في ما يتعلّق بشحّة تحف سينمائية. من بين العناوين، ينتظر الجميع دائماً «معجزة» ما، بحسب صرخة الممثل الأميركي شون بن في العام 2008، عندما عُرض فيلم «الصفّ الدراسيّ» للفرنسي لوران كانتيه، ليحسم خيار «سعفته الذهب». هذا العام، لن تختلف الحالة بشيء. يخفّ الجميع إلى العروض، ويقامرون بالمشاهدة، لينتهي بعض المتبطّرين بصبّ اللعنات. اللافت للانتباه أن فريمو خصّ فيلماً واحداً بتعليق خبيث، إذ وصف ـ في حديث صحافي ـ فيلم الأرجنتيني داميان شيفرون «حكايات شاذة» (إنتاج الأخوين الإسبانيين بيدرو وأغوستين ألمودفار)، المكوَّن من 6 مفاصل حول غضب البشر وسقوطهم ومعاركهم وانتقامهم وشهواتهم وخداعهم، بأنه عمل «مدهش»، ليُشعل نار التخمين، ويرصد عثرات مخرجي الأفلام التي تضمّنتها مسابقة رسمية مشحونة، ستحكم لجنة برئاسة النيوزلّيندية جين كامبيون على خطاباتها وصنعتها.
خبران سعيدان: الأول متعلّق بتخصيص «درس السينما» بضيفة الشرف النجمة الإيطالية صوفيا لورين، التي تعود بفيلم «الصوت الإنساني» (25 د.) لنجلها المخرج إدواردو، تلاؤماً مع تكريمها الرسمي بعرض كوميديا فيتّوريو دي سيكا «زواج على الطريقة الإيطالية» (1964). الثاني مرتبط بتراجع البريطاني كين لوتش (76 عاماً) عن قراره بالتقاعد، مُضيفاً سنوات أخرى إلى نضال سينمائي مجيد، توّجه بجديده «صالة رقص جيمي»، حول ناشط اشتراكي إيرلندي يصل من منفاه الأميركي إلى دبلن العشرينيات، ليعيد افتتاح صالة رقص شهيرة، شهدت أيام فتوّته عصراً ذهبياً، على الرغم من اعتراض قساوسة وحزبيين. بينما أفلم مواطنه مايك لي، في «السيد تيرنر»، حياة الانطباعي الشهير جي. أم. تيرنر ولوحاته التي وجدت حظوة لدى الأرستقراطية البريطانية. يشارك الطليعي جان ـ لوك غودار بـ«وداعاً للغة»، عن عوالم إنسانية تحوّلها وقائع سحرية وسوء نيات إلى طبائع حيوانية. حكايتان تتكاملان من دون أن تتلاقيا حول رجل وامرأة وكلب. يواصل الأخوان البلجيكيان جان ـ بيار ولوك داردين مقارباتهما الاجتماعية في «يومان وليلة»، عن نضال شابة في إقناع زملائها بتحويل مكان عملهم إلى شركة مساهمة لضمان وظائفهم. مثلها، يُصارع بطل فيلم الروسي أندريه زفياغينتسييف في «ليفياثان» نافذين حكوميين طردوه من أرضه.
دهشة السينما
من جهته، يلعن «خارطة للنجوم» للكندي ديفيد كرونينبرغ سلالات هوليوود، عبر حكاية عائلة الطبيب النفسيّ فايس وتحوّلاتها، التي يتداخل فيها سقم شخصي بدهشة السينما. ويرصد «رهائن» أتوم إغويان أزمة عائلة تختفي ابنتها اليافعة. وفي عوالم مقاربة، يُصوِّر كزافييه دولون في «أماه» معاناة أرملة من عنف ابنها، قبل أن تجد ملاذاً بجارة. أما «سبات شتوي» للتركي نوري بلجي جيلان، فيُبقي أبطال حكايته ضمن عزلة جدران فندق وسط الأناضول، يملكه ممثل متقاعد يعاني صدود زوجته، وانغلاق شقيقته المُطلّقة حديثاً. بينما اقتبس الفرنسي ميشال هازانافيسيوس في «البحث» شريط نظيره الأميركي فرد زينمان («أوسكار» 1948)، محيلاً أحداثه من خرائب النازية إلى فواجع شيشانية، ومستبدلاً شخصية مونتغومري كليفت بزوجته الممثلة بيرينيس بيجو كموظّفة إغاثة تساعد صبياً في البحث عن والدته، بينما يتّخذ الموريتاني عبد الرحمن سيساكو من حرب مالي موقعاً للتنديد برجم الخطأة في «تمبكتو». حكاية حبيبين عازبين تكتشفهما سلطات دينية متزمتة، وترجمهما وسط حفرة بتهمة الزّنا حتى الموت، أمام حشد قروي يعجز عن إنقاذهما.
أميركياً، هناك «ذي هومزمان»، جديد الممثل والمخرج تومي لي جونز، عن سيدة تقرّر استئجار رجل لمرافقتها أثناء تسليم ثلاث نساء ممسوسات إلى سلطات ولاية أخرى، عليهم جميعهم أن يقطعوا أرضاً جهنمية. أما بينيت ميلر، فيشحن جديده «فوكسكاتشر» بوقائع جريمة، ضحيتها مصارع أولمبي على يدي مليونير أسّس النادي الشهير للمصارعة الحرّة. نسوياً، تعرض اليابانية نوومي كاواسي نصّها «ماء راكد»، حول يافع اكتشف جثة، فيستنجد بحبيبته لفكّ لغز يكشف لهما معاني الموت والحياة والحب. إلى ذلك، يوثّق «عجائب» الإيطالية أليشه غوغفيتشر حيوات عائلة تربّي النحل وتبيع عسلها، قبل أن تخترق وداعاتهم طلّة مونيكا بيلوتشي كبائعة أحلام وجوائز. مع غودار، هناك الفرنسيان أوليفييه أساياس و«غيوم سيلس ماريا» (عن ممثلة ودور مسرحي عصيّ)، وبرتران بونيللو (مقتطفات من سيرة سان لوران).
زياد الخزاعي
اليوم التالي، بعد ليلة افتتاح الدورة الـ67 (14 ـ 25 أيار 2014) لمهرجان «كانّ» السينمائي، سيكون استثنائياً وتاريخياً في آن واحد. فيه، تُحافظ «نقابة المخرجين السينمائيين الفرنسيين» على قرار اتّخذته سابقاً، متعلّق بتكريم ألان رينيه بجائزة خانة «أسبوعا المخرجين» التي تشرف عليها، وبعرض فيلمين له، الأول روائيّ قصير بعنوان «أغنية سايرين» (1958)، والثاني روائيّ طويل بعنوان «العناية الإلهية» (1977). فبدلاً من الدعاء له بحياة مديدة، تحوّل الأمر إلى عزاء برحيله عن 91 عاماً في الأول من آذار 2014. فقد أشاع غياب صاحب «هيروشيما حبيبي» (1959) كَمَداً في وسط سينمائي احتفل بنصّه «أن تحبّ، أن تشرب، أن تغنّي» (2014) في برلين، وتوّجه مهرجانها بـ«دبّ فضي» لأنه «يفتح آفاقاً جديدة»، قبل أن يكتشفوا أنه وصيّته حول غدر الأقدار وميتاتها المتتالية، جسداً وروحاً وأخلاقاً وطبقية.
عناوين مثيرة
لا خلاف على أن مسابقة «كانّ» أصبحت سلّة عروض لثلّة مضمونة القوّة. فالمدير التنفيذي تييري فريمو لن يسعى إلى تخطّي أسوارها وتحصينها إلاّ بكبار مكرّسين. في أعوام أخيرة، بلغت المجاملات حداً لا يُطاق في ما يتعلّق بشحّة تحف سينمائية. من بين العناوين، ينتظر الجميع دائماً «معجزة» ما، بحسب صرخة الممثل الأميركي شون بن في العام 2008، عندما عُرض فيلم «الصفّ الدراسيّ» للفرنسي لوران كانتيه، ليحسم خيار «سعفته الذهب». هذا العام، لن تختلف الحالة بشيء. يخفّ الجميع إلى العروض، ويقامرون بالمشاهدة، لينتهي بعض المتبطّرين بصبّ اللعنات. اللافت للانتباه أن فريمو خصّ فيلماً واحداً بتعليق خبيث، إذ وصف ـ في حديث صحافي ـ فيلم الأرجنتيني داميان شيفرون «حكايات شاذة» (إنتاج الأخوين الإسبانيين بيدرو وأغوستين ألمودفار)، المكوَّن من 6 مفاصل حول غضب البشر وسقوطهم ومعاركهم وانتقامهم وشهواتهم وخداعهم، بأنه عمل «مدهش»، ليُشعل نار التخمين، ويرصد عثرات مخرجي الأفلام التي تضمّنتها مسابقة رسمية مشحونة، ستحكم لجنة برئاسة النيوزلّيندية جين كامبيون على خطاباتها وصنعتها.
خبران سعيدان: الأول متعلّق بتخصيص «درس السينما» بضيفة الشرف النجمة الإيطالية صوفيا لورين، التي تعود بفيلم «الصوت الإنساني» (25 د.) لنجلها المخرج إدواردو، تلاؤماً مع تكريمها الرسمي بعرض كوميديا فيتّوريو دي سيكا «زواج على الطريقة الإيطالية» (1964). الثاني مرتبط بتراجع البريطاني كين لوتش (76 عاماً) عن قراره بالتقاعد، مُضيفاً سنوات أخرى إلى نضال سينمائي مجيد، توّجه بجديده «صالة رقص جيمي»، حول ناشط اشتراكي إيرلندي يصل من منفاه الأميركي إلى دبلن العشرينيات، ليعيد افتتاح صالة رقص شهيرة، شهدت أيام فتوّته عصراً ذهبياً، على الرغم من اعتراض قساوسة وحزبيين. بينما أفلم مواطنه مايك لي، في «السيد تيرنر»، حياة الانطباعي الشهير جي. أم. تيرنر ولوحاته التي وجدت حظوة لدى الأرستقراطية البريطانية. يشارك الطليعي جان ـ لوك غودار بـ«وداعاً للغة»، عن عوالم إنسانية تحوّلها وقائع سحرية وسوء نيات إلى طبائع حيوانية. حكايتان تتكاملان من دون أن تتلاقيا حول رجل وامرأة وكلب. يواصل الأخوان البلجيكيان جان ـ بيار ولوك داردين مقارباتهما الاجتماعية في «يومان وليلة»، عن نضال شابة في إقناع زملائها بتحويل مكان عملهم إلى شركة مساهمة لضمان وظائفهم. مثلها، يُصارع بطل فيلم الروسي أندريه زفياغينتسييف في «ليفياثان» نافذين حكوميين طردوه من أرضه.
دهشة السينما
من جهته، يلعن «خارطة للنجوم» للكندي ديفيد كرونينبرغ سلالات هوليوود، عبر حكاية عائلة الطبيب النفسيّ فايس وتحوّلاتها، التي يتداخل فيها سقم شخصي بدهشة السينما. ويرصد «رهائن» أتوم إغويان أزمة عائلة تختفي ابنتها اليافعة. وفي عوالم مقاربة، يُصوِّر كزافييه دولون في «أماه» معاناة أرملة من عنف ابنها، قبل أن تجد ملاذاً بجارة. أما «سبات شتوي» للتركي نوري بلجي جيلان، فيُبقي أبطال حكايته ضمن عزلة جدران فندق وسط الأناضول، يملكه ممثل متقاعد يعاني صدود زوجته، وانغلاق شقيقته المُطلّقة حديثاً. بينما اقتبس الفرنسي ميشال هازانافيسيوس في «البحث» شريط نظيره الأميركي فرد زينمان («أوسكار» 1948)، محيلاً أحداثه من خرائب النازية إلى فواجع شيشانية، ومستبدلاً شخصية مونتغومري كليفت بزوجته الممثلة بيرينيس بيجو كموظّفة إغاثة تساعد صبياً في البحث عن والدته، بينما يتّخذ الموريتاني عبد الرحمن سيساكو من حرب مالي موقعاً للتنديد برجم الخطأة في «تمبكتو». حكاية حبيبين عازبين تكتشفهما سلطات دينية متزمتة، وترجمهما وسط حفرة بتهمة الزّنا حتى الموت، أمام حشد قروي يعجز عن إنقاذهما.
أميركياً، هناك «ذي هومزمان»، جديد الممثل والمخرج تومي لي جونز، عن سيدة تقرّر استئجار رجل لمرافقتها أثناء تسليم ثلاث نساء ممسوسات إلى سلطات ولاية أخرى، عليهم جميعهم أن يقطعوا أرضاً جهنمية. أما بينيت ميلر، فيشحن جديده «فوكسكاتشر» بوقائع جريمة، ضحيتها مصارع أولمبي على يدي مليونير أسّس النادي الشهير للمصارعة الحرّة. نسوياً، تعرض اليابانية نوومي كاواسي نصّها «ماء راكد»، حول يافع اكتشف جثة، فيستنجد بحبيبته لفكّ لغز يكشف لهما معاني الموت والحياة والحب. إلى ذلك، يوثّق «عجائب» الإيطالية أليشه غوغفيتشر حيوات عائلة تربّي النحل وتبيع عسلها، قبل أن تخترق وداعاتهم طلّة مونيكا بيلوتشي كبائعة أحلام وجوائز. مع غودار، هناك الفرنسيان أوليفييه أساياس و«غيوم سيلس ماريا» (عن ممثلة ودور مسرحي عصيّ)، وبرتران بونيللو (مقتطفات من سيرة سان لوران).
زياد الخزاعي
0 التعليقات :
إرسال تعليق