يتابع القاص، عزالدين الماعزي، ممارسة هوايته/ غوايته بحب الصغار و الكبار معا، و المتمثلة في كتابة القصة القصيرة جدا معشوقته ، بكل حرفية و عشق؛ يحرث أرضها، يقلب تربتها بمحراث الخيال ؛ لينبت لنا ما ينفعنا، و يمنحنا المتعة و تذوق الجمال. يأتي بحقول الياسمين لتمنح حواسنا عطر المحبة. و تنشر بيننا شذى الجمال، و قيم الحق و الخير. إننا نراه في هاته المجموعة ذات العنوان الموحي : " قبلات في يد الهواء "، كما في مجموعته الأولى : " حب على طريقة الكبار "، ينحاز للقيم العليا، و المبادئ السامية، و المتمثلة أساسا في الخير، و العدل، و الحرية، و المساواة ، منتصرا لها ضد كل أشكال القبح و المتمثلة في ، الظلم، و القهر، و التسلط، و الفقر، و الجهل، و غيرها من عناوين اللامساواة، و التوزيع غير العادل للثروة.. إن المجموعة تناهض التمييز، و الفوارق الاجتماعية المولدة للحقد الاجتماعي، و المهددة لتماسك المجتمع.. تتحول القصة القصيرة جدا على يد الماعزي إلى قطعة حلوى لذيذة و شهية، و لكنها تصير مرة حين تقف في وجه القتل و القسوة ، و كل أشكال العنف المادي منه و الرمزي، الممارس على الإنسان المقهور. إنها قطعة حلوى لا مسكنة و لا مغيبة للفكر و العقل، بل هي ذات سعرات حرارية، ترفع درجة الوعي إلى حدوده القصوى بغية التنبه إلى المطبات و المشاكل التي يعاني منها مجتمعنا، حتى يتم الانخراط بذهنية صافية، و وعي حاد و متيقظ ، في بناء مجتمع جديد يتسع لكل أبنائه، و حيث يحس فيه الجميع بالأمن و الأمان، و الحرية و الكرامة، و ينعم تحت ظل مظلته بالاستقرار ، و العدالة، تظله و تحميه. و لا يكون ذلك متحققا إلا بعد القيام بقراءة نقدية لهذا الواقع ، تعري معاناته، و تظهر مشاكله من دون تزييف. و الأضمومة، وفق القول السابق تشير بطريقة فنية إلى القوى التي تناهض التغيير، و تعمل على إدامة الاستغلال، و تؤبد الظلم، لأن ذلك يخدم مصلحتها، و هي بهذا الفضح تساهم في عملية تحقيق التغيير في الوعي و من ثم في الواقع. و إذ تشتغل نصوص المجموعة على الواقع فضحا و نقدا، فهي لا تغفل الجانب الفني، بل تجعله من أولوياتها. و هكذا، نجدها تعتمد على العناصر التالية : التخسيس السردي تتميز المجموعة باحتكامها ، في مجملها، إلى جمل مبرقة، منتهجة حمية صارمة قصد تفادي الترهل القصصي، لرصد لقطة سريعة أو رصد صورة جزئية للواقع. غير ان اللحظة المرصودة قصصيا و إن كانت في الغالب قصيرة من حيث الحدث فهي من حيث الإيحاء ممتدة دلاليا."1" معتمدة في ذلك عينا ترى العالم و ترى ما ينقصه ليصير قصا وامضا و مستفزا..وسيلته في ذلك الإيحاء بمعان متعددة جراء شحنه للمفردات بدلالة كامنة تبدو غافلة و لكنها واعية ."2" و من أمثلة ذلك، النصوص التالية : "طلاق" ص 12، و المكونة من سطرين، و ثلاث جمل، و هو نص يمكن إدراجه ضمن الميتاسرد، لكونه يتضمن الحديث عن جنسين أدبيين متداخلين، و هما الشعر و القصة، و ما ينتجانه من كتابة جديدة، و هي القصة القصيرة جدا.و نص "دناءة" ص ،16و هو نص، أيضا ، ميتاسردي، ينتقد فيه الكاتب بعض الأقلام البعيدة عن مجال الأدب. و غيرهما من النصوص. و هذا لا ينفي وجود نصوص أطول ، غير أنها لا تتجاوز الصفحة الواحدة. و لم تكن التفاصيل الحاضر مرهقة للقصة بل كانت موظفة بشكل ذكي، يقول الناقد، يوسف حطيني، عن نص "نام..أصبح وزيرا.."، يوظّف عز الدين الماعزي التفاصيل توظيفاً ناجحاً، ليرسم لنا حدود الصراع بين البطل، وبين نفسه، بين أحلامه وبين واقعه، إنه ببساطة نام، فقاده النوم إلى حلمه، إلى الصراع الحقيقي الذي صنع عقدة القصة، حيث أصبح وزيراً يحسب له الناس ألف حساب ويغازل السكرتيرات، وكان لا بد من حلّ سريع، يأتي بضربة واحدة: يستيقظ من النوم مرة أخرى، ويعود إلى البداية: "3" إن المجموعة و هي تراهن على الكثافة و السمك تكون قد حررت المعنى من سجن المكتوب، و شتته على المحذوف و المغيب، و خلصته من سلطة تطابق القص مع الواقع المستحيل"4". الشكل الكالغرافي الدال اعتمدت المجموعة في بعض نصوصها على شكل كالغرافي يقربها من الشعر، كنص " دناءة" ص 16، حيث بني باعتماد نظام الأسطر ، جاءت الأسطر الثلاثة الأولى مكونة من اسم واحد في كل منها، و السطر الرابع على جملة اسمية مؤكدة ب"إن"، أما السطر الأخير، فجاء مكونا من أداة استثناء و اسم مستثنى. و قد تم التوسل بهذه الصورة البصرية لإظهار التدلي كنوع من الانتحار ، معبرا بذلك عن فشل مثل هاته الأقلام في أن تكون مبدعة، إن إصرارها على الكتابة هو بمثابة انتحار. و بهذا يصير الشكل دالا، و الدلالة منطوية في الشكل.و سنعود لاحقا لهذا النص قصد إبراز بعض جوانب جماله.
تيمة الحب الحب ملكة سحرية ترشدنا إلى الطريق نحو الذات لاكتشافها، و شرفة نطل منها لتعرف الآخرين. يؤكد القاص ، الماعزي، هاته القضية بدءا من العنوان، و في كثير من النصوص. فالقبلات عنوان حب مرسل في الهواء يطلب ارتواء ، و يسعى إلى تحقيق الاتصال.و أن تكون القبلات في قبضة الهواء، فذلك لا يعني الحرمان، أو الإشارة إلى استحالة تحقيق التواصل المطلوب، و الانتعاش المأمول، بل يؤكد أنه مكون أساس في تركيبة الهواء؛ مما يفيد أننا لا يمكننا العيش من دونه، أو الانفلات من سطوته الجميلة، مادام هواء منعشا يطهر القلوب متى تم استنشاقه بعمق. فالعنوان، و ما يحمله من دلالات، يشير إلى مسعى بناء مجتمع يعمه الحب، و يتطهر من نقيضه الذي هو الكره. و من هذا المنظور، يصير مثل هذا المجتمع محلوما به ، مقابل عالم واقعي يعمه القبح و تسوده الأنانية المقيتة، و يلونه الحقد ، و تزين صفحته الكراهية و حب الذات.. و عليه، نقول إن المجموعة متورطة في نشيد الحب، و تسعى إلى توريطنا معها في هذا النشيد العابق بمحبة الإنسان ، بنقل عدواه إلينا.. إنها دعوة مفتوحة للسفر على متن النصوص لاستنشاق عبير المحبة المنتشر في ربوع حقولها الوردية، و بين تلافيف كلماتها الندية. و يتجلى ذلك في النصوص التالية : " فراق " ص 36، و " قبلة " ص 50، و " القصة " ص 55، و " رؤيا " ص 59.. فالنصوص السالفة الذكر تستحضر العلاقة بين الرجل و المرأة، مؤكدة على حضور القبلة بينهما، كونها قبلة جامعة بين الطرفين، و العتبة المفضية إلى التلاقي، و الالتحام ؛ و تلك، لعمري ، ذروة الانصهار، إذ إنها النشيد الدال على الحب في أسمى معانيه. فنص " قبلة "، يشير إلى مراحل الاتصال ، من تأشير البسمة إلى لحظة الانتشاء و ارتواء اللقاء. و الظاهر أن القاص قد تناص مع قصيدة أحمد شوقي : نظرة فابتسامة..كما وظف، و بجمال، الجملة الإنجيلية الشهيرة، في البدء كانت الكلمة، معدلا إياها وفق ما يخدم رسالته ، إنها رسالة الاتصال و التواصل كقاعدة أساسية تربط الرجل بالمرأة منذ بداية الخليقة، و لا يمكن الانحراف عنها و إلا نبت من شقوق هجرانها الحقد و عم الفساد. أما في " القصة "، فنجد التأكيد على أن القبلات قد تكون عابرة، لكنها، لسموها، قد تترك بصمتها القوية في الذهن و تنطبع بشدة في الذاكرة و القلب معا، مما يجعلها قبلا موجهة لسلوكاتنا ، و مقومة لاعوجاجات مشاعرنا.. و تكون القبلة ، قصة " رؤيا "، الغاية المشتهاة، و الهدف المبحوث عنه ؛ إنها المبتدأ و المنتهى، و محور حياتنا السعيدة، و القفلة تبرز ببيان أثرها : يد تبتسم تقودني كالأعمى إلى ما تركته القبلات من أثر ص 59 و واضح ما للقبلة من أثر شديد في نفس العاشق، و تزيده قوة تلك المفردات الباعثة على الأمل : الابتسام، و القيادة، اما العمى، فبين أنه ذو انتماء لحقل الحب، أفلا نقول : حب أعمى ؟ تيمة السياسة : يمكن القول إن القاص الماعزي يندرج ضمن أقلام التمرد و الثورة و الاحتجاج ضد الفقر و التهميش و المرض و الجوع و القمع و الحرمان عبر كتابات قصصية مشاكسة و غير مهادنة ؛ فعناوين نصوصها كما مضامينها تحمل الكثير من العلامات التي أراد بها كسر سياق اللياقة الأدبية ، و لفت الانتباه إلى صوته و تجربته و أطاريحيه في القص ، و مواقفه في السياسة و الحياة. يعبر القاص من خلال نصوصه عن تمرده على واقع موبوء أنهكه الإقطاعيون و العملاء و أصحاب النفوذ و المصالح الضيقة، و يبرز اختلال هذا الواقع، بفعل استغلال الإنسان لأخيه الإنسان..و هو، بمثل هذا التمرد، يرفض العالم الذي تنتهك فيه حرية الإنسان ، و تمرغ فيه كرامته، بسرد يتميز بأناقة المفردات، و شفافية الصور، و حساسية التعبير، و جمالية التشكيل، و ما يضفيه على النسيج الحكائي و لغته من علامات شعرية يتحول بها القص إلى قصائد نثرية أو قريبة منها ، أوليس الماعزي شاعرا قبل أن يكون قاصا ؟ تنبت قصيصات عن الفساد الإداري (غربة- بطاقة) و عن السياسة( في الزنزانة- الطريق- عشاء غير هادئ- العربة- سيناريو- ضربة مقص- الحساب الإداري- سقراط- الذي…- عميل)…..مع الإشارة إلى التوظيف الديني الهادف إلى تكريس الوضع و تثبيت الهيمنة، و حماية المصالح. و هو في أغلب نصوصه يعتمد على الإيجاز و التركيز الشديدين، و في الغالب، تنتهي بضربة تستفز المتلقي و تثيره إن لم نقل ، تصدمه. مع اعتماده بلاغة الوضوح، و ليس الغموض المتعمد الذي يحول النصوص إلى ألغاز محيرة، و عوالم معتمة و مغلقة، مليئة بالأحاجي و الكلام العسير، من دون أن يعني ذلك أن القاص يقدم الدلالة واضحة يسهل القبض عليها بيسر، فنصوصه تدعو قارئها إلى بذل جهد للقبض على دلالة ممكنة و معنى محتمل. يأتي النص الثاني في المجموعة ليبرز مدى سادية الحاكم، و قدرته على التنكيل بمواطنيه، و الدوس على كرامتهم، و في الوقت نفسه، يقوم السارد بالانتقام منه عبر تحويل حلمه حقيقة، و تجريعه المرارة من كأس العذاب نفسها، مع جعل تعذيبه غاية في السخرية، تحيلنا على نهاية مشابهة لنهاية أحد أعتى الطغاة العرب..و هو نص صريح في انتقاده للتسلط، منذ عنوانه، " الزعيم " ص10، و إلى نهايته.. و تنتهي المجموعة بنص غاية في الرفض، إنه نص " عصيان " ص 68، إذ يعتبر صرخة احتجاج على واقع عربي غاية في التخلف و الانحطاط و البشاعة، بحيث نجد الشخصية قد امتلأت قرفا منه، ولا تملك إلا اختيار حل الخلاص، عبر الارتماء في أحضان اليم، و هو اختيار جاء ، أيضا، بعد أن أدركت تلك الشخصية عدم قدرتها على اليناعة النفسية، و انسجامها مع نفسها، فحين سعت لالتقاط ظلها بعد أن عثرت عليه، تحصل على صفعة مدوية توقظها من رغبتها، و تعيدها إلى شرخها المرفوض..ذاك ما يحدثنا عنه نص "صفعة " ص 54، هذا النص الذي يفاجئنا بالتحول السريع من النقيض إلى النقيض ؛ أي، من الفرحة إلى الترحة، و من الاتصال إلى الانفصال، بقفلة مثيرة و صادمة.. نص " سيناريو " ص 44 جاء ليفضح ما يجري في المجالس المنتخة، و مدى الزيف الذي تصنعه الصحافة. و نص " ضربة مقص " ص 45 ،يقف ساخرا من سلبية الناس و ذكاء المترشح الذي أدرك كيف يستعبدهم و يصيرهم أتباعا له، يمنحونه أصواتهم ، بطيب خاطر، تحمله إلى مجلس المستشارين. و تتابع النصوص سخريتها و تعريتها لتلك الكائنات الانتخابية، ولدورها في تمييع السياسة، و تنفير الناس منها، ك " الحساب الإداري " ص46، و "سقراط " ص48..
- السخرية اللاذعـــــــة: يوظف الكاتب السخرية الكاريكاتورية لانتقاد عالم الكبار والأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والتربوية. ويستخدم في ذلك التنكيت والتلغيز والإضمار والحذف وتهجين اللغة وخلط الفصحى بالعامية ، إن السخرية، في مقام الكتابة سلاح يهدف إلى فتح الجرح قصد إزالة صديد القبح ، و تعرية الواقع البئيس، و إبراز ما يعتمل فيه من تناقضات، و ما يصنعه من ظلم تجاه البسطاء..و من أبعاد الفضح إظهار المفارقات الفظيعة المشكلة لوطن التفاوق والقهر، على اعتبار أن المفارقة تعد العنصر الأهم في بنية القصة القصيرة جداً لأنها الحامل الأهم في تحريك كمون شحنة اللغة باتجاه الفعل الذي يُحرك بدوره أنساق الدلالات بهدف الانتقال من الانفعال إلى الفعل، مشكلاً حركة تصادمية تسعى إلى تعميق إحساس المتلقي بالأشياء المحيطة به . و في خصوص هاته النقطة، تجدر الإشارة إلى حضور نوعين من المفارقة: بين النصوص، و داخل النص الواحد – 1 على المستوى الأول، نجد حضورها ممثلا في النصوص التالية : - " صفعة " ص 54 يقابل " القصة "ص 55. - " بدون قلق " ص 52 يقابل " دودة القص " ص 53. - " قبلة " ص 50 يقابل النص الأول من نصوص " قصيصات " ص51. - فالقاص قد أقام تعارضات، و شيد مفارقات بين النصوص لإبراز التضاد الحاصل بين الجمال و القبح، بين المرارة و السعادة، بين الأمل و اليأس.. - 2_ على المستوى الثاني، نجد حضور المفارقة الداخلية في العديد من النصوص، تحقق الدهشة و تسمح بظهور الضحكة مرتسمة على وجه القارئ جراء التناقضات التي يعج بها الواقع. - ففي نص " صفعة " ص 54 ، على سبيل المثال، نراه يبتدئ باسم " و أخيرا " مما يدل على تعب البحث ، قبل العثور على المطلوب، مما يولد لدى الذات الباحثة نشوة الانتصار، و سعادة بلوغ الهدف، و انتهاء مرحلة الشرخ بتحقيق أمل الانسجام، و العثور على التكامل المنشود، و عملية الانحناء بقصد تقبيل الظل المقبوض عليه أخيرا، دليل على مسعى الاتصال، لأن الذات لا يمكن أن تكون تامة الوجود من دون ظل، و بناء عليه، جاء الانحناء و التقبيل علامات الوصول إلى اليناعة و الانتشاء، و من ثم الاستراحة من عناء الضياع، لكن، و بشكل مفاجئ، و سرعة رد فعل، كانت الصدمة، ذلك أن الصفعة حققت بعد الانفصال، و تكسير حلم تحقيق التوازن و بلوغ اليناعة، ليبقى محكوما على الذات بأن تظل ضائعة في عالم مشروخ. - أخيرا -------انتهى عناء البحث ، و حصول الراحة و سعادة الوصول. - التقبيل ------مسعى الاتصال بعد مرارة الشرخ. - تلقي الصفعة -----الألم و الإبقاء على وضعية الانفصال قائمة، و من ثم دوام الشرخ.. - و كأننا نعيش في دائرة مغلقة من التعاسة.. - و لتجاوز فظاعة الواقع ، و أثره السلبي على الذات الفردية و الجماعية، يتم اللجوء إلى السخرية لتحقيق التوازن المفقود، و المبحوث عنه. - و العديد من النصوص تنحو هذا المنحى و تعالجه بالسخرية لأنها أداة فعالة في تحقيق التعويض، و تجاوز القهر و كل أنواع القبح المتسيدة في واقعنا المختل ، سياسيا، و اجتماعيا و فنيا و ثقافيا، كما نجد ذلك في نص " القصة " ص55، و في " الذي ..." ص 56، و غيرها من النصوص التي تنتصر للحق ضد كل أشكال الظلم
. - الميتاسرد - تفرد المجموعة لمسألة التفكير في الكتابة و الإبداع حيزا مهما، تؤكد من خلاله على موقفها المعارض للسطحية و التطفل ، معتبرة ذلك إسهاما منها في عملية فضح القبح أنى وجد. مشيرة في الوقت نفسه إلى الشكل الكتابي المطلوب كمثال ينبغي الإشادة به و حمايته من الاسهال الذي يتهدده. - فالكتابة المرفوضة تتمثل في النصوص التالية : " القصة " ص 53، و " البروفيسور " ص 57، و " العكس " ص 58 ، و " رسم " ص 65. - و في مقابل ذلك، نجد الإشادة بالكتابة الجادة كما يمثلها نص " دودة القص " ص 53. - فنص " البروفيسور " يناهض الأسهال و يعتبره جناية، و إفسادا للذوق و هو عمل شبيه بالتسلط في مجال السياسة، لأنهما معا يعملان على تسييد القبح.. - و الحديث عن القبح نجده حاضرا في نص معبر، إنه نص " دناءة " و قد قمنا بتحليل بعض جوانبه، و لا بأس من العودة إليه لإبراز عناصر أخرى لم يتم الحديث عنها. - من حيث تقطيعه ، و شكله الخطي البصري، نراه يقوم على النمو والمضاعفة، و تصعيد الحس التكاثري لعناصر التشكيل . فكل عنصر يرتبط بما قبله ، و يمهد لما بعده، وصولا إلى النهاية الصادمة ، ارتباطا وثيقا. راسما بذلك عنقودا مدلى، و منه تتدلى حبة تسقط أرضا منفصلة عن بقية الحبات الأخر، لكونها لا تشبهها، و لا تمت إليها بصلة ، و إن بدت مشابهة، فلن يكون إلا تشابها مضللا، من هنا، نستنتج أن ليس كل من حمل قلما كاتبا. - و لا تتوقف المسألة عند هذا الحد ، بل تنفتح على أشكال خطية كثيرة، يعتمد فيها القاص التقاط الفواصل و العلامات المتنوعة. - فالقصة تشتغل على شعرية البياض، و الفراغ، و الشكل الأيقوني للفواصل ، و مستوى انتشارها الخطي. - كما ينقسم الحقل الدلالي للنص إلى قسمين ، قسم سلبي ذي وفرة معجمية أكثر من معجم الإيجاب ، مما يشير بشكل دال إلى تسيد القبح و مناهضة النص له.. - و الانتقال من الإيجاب إلى السلب تم بواسطة ثلاث آليات : المحاصرة، و القلب، و الاستثناء ، و هي آليات عضدت معنى الرفض بإبراز مدى فداحة الفعل المرتكب في حق الإبداع و الكتابة. - مقابل هذا النص، نجد نص " دودة القص " المظهر للكتابة المطلوبة، و الإبداع الحق، و عملية الإهداء تلعب دورا في تعضيد هذا البعد، فالمهدى له كاتب معترف بسمو كتاباته، و تجنبه للإسهال القاتل للكتابة
. - خاتمة - يعد القاص ، عزالدين الماعزي ، من كتاب القصة القصيرة جدا المهمين، الذين جعلوا نصوصهم تحقق الدهشة و الرعشة و الصدمة، بسرد يتميز بالأناقة عبر اختيار المفردات، و شفافية الصور، و جمالية التشكيل. ................................................
هامش:
• قبلات في يد الهواء، لعزالدين الماعزي، مطبعة دار القرويين الدار البيضاء، ط1 سنة 2001.
• 1و2و3و4 من مقدمة المجموعة، للناقد، محمد رمصيص.
0 التعليقات :
إرسال تعليق