الحلم والعجائبي في (يارا ترسم حلما)
بقلم : محمد داني – الدار البيضاء - المغرب
من المعروف أن جل المقررات المدرسية العربية تعتمد نصوصا من الشعر الفلسطيني لتكون مادة المحفوظات والنصوص الأدبية والأناشيد.وهذا يبين أن الأطفال الفلسطينيين يستأنسون منذ نعومة أظفارهم بهذه الأشعار والأناشيد.
ومن أهم الشعراء الفلسطينيين الذين وظفوا شعرهم خدمة للطفولة الفلسطينية خاصة والعربية عامة، نجد: ابراهيم طوقان،وهاشم هارون رشيد،ومحمود درويش، وسامح القاسم،ومعين بسيسو،وأحمد دحبور، وفدوى طوقان،وتوفيق زياد، وسعيد المزين،الذي وضع النشيد الوطني الفلسطيني،وكمال رشيد.
أما القصة، فقد برع فيها كل من : خليل سكاكيني،ومعين بسيسو،وعزمي خميس،ومحمد الظاهر،وغسان كنفاني،ونمر سرحان،وكمال رشيد،ومفيد نخلة.ويعتبر خليل سكاكيني رائد القصة الفلسطينية الموجهة إلى الأطفال.وتمتاز القصة عنده بوعظها وتوجيهها وإرشادها،ونهلها من الموروث الشعبي الفلسطيني.
وتناولت القصة الفلسطينية الموجهة للأطفال ثلاثة مواضيع ، هي كالتالي:
- الصراع العربي الإسرائيلي.
- انتقاد الواقع الاجتماعي.
- استرجاع واستحضار التاريخ العربي الإسلامي من أجل استلهام البطولة والمجد العربي.
ومن جملة كتاب قصة الطفل، نجد: روضة الطرخ الهدهد، التي كتبت قصصا كقصة(عز الدين القاسم)،وقصة(سر القنابل الموقوتة)،وقصة(قافلة الفداء) وقصة (الزمن الحزين) ،وقصة(رحلة النضال)،و(منقذ القرية)،و(صائم في سجن عكا)،و(أسد فوق حيفا)،و(كفر قاسم).. ونجد أيضا الكاتب سهيل ابراهيم عيساوي الذي كتب قصة (يارا ترسم حلما)،وقصصا أخرى..
وقد اهتمت مجلة (الحياة) ومجلة (العصافير) التي كان يديرهما محمد بدرانة بأدب الأطفال واللتان كانتا توزعان في منطقة 1948.
- القصص الفانطاستيكي:
الفانطاستيك هو نوع من كتابة التعجيب،كما أنه يمثل مكتوبا يقدم شخوصا وظواهر فوق طبيعية يمتزج فيها الطبيعي بما هو فوق طبيعي،مقلقة تجعل المتلقي يتردد بين تفسيرين للأحداث.ويشكل هذا التردد العنصر الأساسي للفانتاستيك [1]،من خلال بحثه عن مفاجآت لعالمنا العادي والمألوف.إنها ثورة على العقلانية.
وفي موروثنا العربي نجد من البعد الفانتاستيكي والعجائبي ما يغلف حكايانا،وخير دليل على ذلك حكايات ألف ليلة وليلة،و" التي تضمنت بنية تعجيبية من خلال وصف عالم فوق طبيعي داخل عالم مألوف وشخوص يطالهم الامتساخ والتحول"[2].
إنها عالم يتكون من خليط من الجن والإنس والخارق والمألوف المعتاد. وهذا - كما يقول الدكتور شعيب حليفي – يربك المتلقي ويزعزع يقينه،ويجعله في حيرة من أمره.
كما أن (كليلة ودمنة) لا تخلو من عجائبية لما تتوفر عليه من فضاءات حيوانية عجيبة،بالإضافة إلى بعض السير الشعبية كسيرة سيف بن ذي يزن، وفيروز شاه، وغيرهما .. كما أن كتاب أبي العلاء المعري (رسالة الغفران) يدخل في هذا المنحى لما تنبني عليه من حلو وخيال،وجنوح خيالي كبير.
وبعض الكتب التاريخية القديمة، أو سير الأمم والملوك، كبدائع الزهور في مواقع الدهور،وتاريخ الطبري (تاريخ الملوك والأمم) لا تخلو هي أيضا من إدهاش ومبالغة في التعجيب.. وأيضا الكتابات المؤرخة لكرامات الأولياء والصالحين، والصوفية من غرائب.
وأدب الأطفال قد استفاد من كل هذا بالإضافة إلى ما ترجم من كتابات الغرب الفانطاستيكية ليقدم للطفل العربي أدب أطفال فانطاستيكيا.وقد كان كامل كيلاني رائدا لما قدمه للمكتبة من عناوين وقصص، اعتمد في أغلبها على ألف ليلة وليلة، والأساطير اليوناننية.
وهذه الكتابة العجائبية تخصب خيال الطفل وتغني مخياله.كما تساعده على التمثل والتصور وخلق عوالم جديدة لا تمثل الواقع.
وأدب الأطفال الفانطاستيكي يقدم للطفل كتابة وقصصا تبنى على التغريب والتعجيب والإدهاش،باعتماد التحول المسوخي للشخصيات،ونقائض القيم للوصول إلى القيمة التي بواسطتها يتحقق الاتزان والتوازن،واعتماد أيضا الخوارق والرعب.
والمسوخات أو الامتساخ والتحولات التي تقدم في أدب الأطفال تكون ثلاثة مظاهر:
- الإنسان الممتسخ إلى حيوان (الإنسان الحيواني)،فالامتساخ يمس المظهر الخارجي،تبقى الأحاسيس ولكن الممسوخ يفقد النطق والكلام.
- الحيوان المؤنسن..أي يأخذ الحيوان بعض الصفات الإنسانية (النطق والتفكير).
- النبات المؤنسن،كسابقه من الحيوان المؤنسن.
وأدب الأطفال المعاصر اليوم بدأ يجد التعجيب والغرائبية في الحلم والتماهي...فبالحلم يدخل الطفل عوالم غرائبية، ويحقق المعجز ...وبدأ الكاتب العربي يغزو هذه العوالم الحلمية ليقدم للطفل العربي عوالم يمتزج فيها الواقع بالخيال... كما يكثر فيها الصدف السعيدة ...وتحقيق الأمنيات البعيدة ... وهذا نجده في النموذج القصصي الذي سنجلس إليه للتحليل والمناقشة، وهو عمل الأستاذ سهيل أبراهيم عيساوي الكاتب الفلسطيني المبدع والأديب المتنوع، والذي عنونه ب (يارا ترسم حلما).
- عجائبية (يارا ترسم حلما):
ومن القصص العجائبي الفانطاستيكي الذي يعتمد على الحلم والاستيهام،نجد قصة (يارا ترسم حلما) للأديب الشاعر و المؤرخ الفلسطيني سهيل ابراهيم عيساوي. وهي قصة من حجم (22x25سم)،ذات أخراج جيد،وغلاف من الورق المقوى المجلد.تزينها رسومات يدوية بالأقلام الملونة من إنجاز الفنان محمود إبراهيم زيدان،والمراجعة والتدقيق اللغوي قام بهما الأستاذ أحمد شدافنة.
وتتكون (يارا ترسم حلما) من 35 صفحة من الورق الصقيل،والجيد.والجدول التالي يبين بعض المعطيات الإحصائية:
عدد الأسطر
|
عدد الصور
|
عدد الكلمات
|
عدد الصفحات
|
109
|
17
|
659
|
35
|
وهذه القصة موجهة إلى طفل مرحلة الطفولة المتأخرة من 9 إلى 12 سنة..
- عتبات النص القصصي:
1- العنوان:إن العنوان نص مواز للنص القصصي.وهو نص مناصي paratexte.وتظهر فيه الصنعة والجمالية.فهو عنوان مؤثر وجذاب للمتلقي،ومحفز على التعرف على تفاصيل القصة.
وإذا نظرنا إلى العنوان كطباعة متواجدة على صفحة الغلاف، أي أيقونوغرافية العنوان iconographique،نجده عنوانا بارزا وبخط عريض من بنط 72 زخرفي،بلون أزرق سماوي محاط بإطار أبيض،أسفله اسم المؤلف والرسام.
أما إذا نظرنا إليه كنص،فيجب أن نواجهه بالتحليل والتأويل لمعرفة بعض دلالاته،وهو " مجموعة العلامات اللسانية من كلمات وجمل،وحتى نصوص قد تظهر على رأس النص لتدل عليه وتعنيه،تشير لمحتواه الكل،ولتجدب جمهوره المستهدف"[3].وهو العنوان الأصلي للنص القصصي zadig،ويحتل مكانه النصي ça place textuelle في أعلى الغلاف. وهو كذلك عنوان خبري إخباري un titre thématique. وهو يجعلنا نتساءل :
- ماذا يقول هذا العنوان؟
- أي رسالة يتضمنها ويريد الكاتب تبليغها إلى المتلقي؟
إن هذا العنوان (يارا ترسم حلما) يعطينا إشارة عن متلق من نوع خاص،إنه طفل مرحلة الطفولة المتأخرة.. طفل يحلم كثيرا،ويجعل من الحلم عوالم يحقق فيها كل معجز.
يارا ،إنها طفلة فلسطينية –في الاسترجاع من الماضي- في نفس المرحلة،ترسم رسما جميلا أملته مخيلتها وسطره مخيالها،إنه حلم تضع هيكله،وتجعله واقعا حقيقيا.لذا على هذا المتلقي/الطفل أن يفعل مثل يارا،ولو أن الظروف تختلف.. وأن يعمل على رسم أحلامه..ولكن ألا يكتفي بالرسم فقط،بل أن يعمل على إنجاز رسمه وتنفيذه،ليجعله واقعا.
إن العنوان يقدم إخبارا،وهو أن طفلة اسمها يارا ترسم حلما.وقد جاء هذا العنوان مركبا تركيبا اسميا(اسم+فعل+اسم)..ودلالة تركيبه النحوي هو(مبتدأ+(فعل+فاعل ضمير مستتر+مفعول ب)جملة فعلية خبر)...وقد جاءت لفظة(حلما) نكرة للدلالة على جنسية كطلقة العدد.كذلك أنكرها الكاتب لهدف مقصود،وهو أن الحلم كان في الماضي وكائن في الحاضر وحاصل،ولكن يقصد به الحلم المستقبلي،والتعلق به والحرص عليه ولذا وجب التنكير..
- ماذا تقول القصة؟:
القصة تقدم حدثا بسيطا جدا.ولكن بفنية لا تخلو من تشويق ودافعية.وهذا الحدث يمكن تقسيمه إلى مقاطع،كل مقطع يتضمن حوافز les motifs،وهي كالتالي:
- التمهيد أو الاستهلال أو البداية.
- دخول يارا قاعة الدرس وتحية التلاميذ.
- العودة إلى الماضي وتذكر أيام الدراسة.
- طلب المعلمة سارة من تلامذتها تخيل مهنة المستقبل.
- عرض التلاميذ لأحلامهم.
- رد فعل المعلمة سارة ،ونصيحتها لتلامذتها.
- سؤال يارا عن موت الأحلام.
- شعور يارا وهي تعود من شرودها.
- النهاية.
إن هذه المقاطع بحوافزها تقدم في 109 أسطر و659كلمات..مشكلة حلما يسافر عبره الطفل من بدايته إلى نهايته،الشيء الذي يجعل السؤال ملحا: هل يستطيع الطفل بعد قراءة هذه القصة أن يرسم حلمه الخاص؟.
1- التمهيد:إن هذا التمهيد شكل بداية القصة ومدخلها.إنه يعطي صورة موجزة عن المكان الذي ستدور فيه الأحداث،وتعرض فيه الأحلام.. كما نتعرف فيه على الشخصية المحورية،والتي تشكل بؤرة هذا العمل السردي.
وهذه الافتتاحية تشغل الصفحة رقم 2،وتمتد عبر خمسة أسطر،ونتعرف فيها على حوافز متعددة،هي كالتالي:
رقم الصفحة
|
عدد السطور
|
عدد الكلمات
|
الشخصية المقدمة
|
وظيفتها
|
الفضاء المكاني
|
هيئة الشخصية
|
حالتها النفسية
|
فعلها
|
الصورة
|
2
|
5
|
26
|
يارا
|
معلمة
|
- المدرسة
- قاعة المعلمين
|
- منتصبة القامة
- تمشي بخطوات واثقة
|
- الثقة في النفس
- الاعتزاز
- الاطمئنان
- نفسية هادئة
|
- طرح السلام(التحية)
- شرب كأس ماء
|
صورة يارا
|
فهذه البداية تعرفنا على أشياء كثيرة تتعلق بهذه الشخصية الرئيسية النامية معرفة متنوعة تتعلق ب:(- المكان- الزمان- الشخصية واسمها وعملها- نفسيتها- الحالة التي كانت عليها وهي تلج قاعة المعلمين).
بالإضافة إلى الصورة المرافقة للنص القصصي والتي تعطينا وصفا فيزيولوجيا ليارا،فنقف إلى شكلها وعمرها،وملامحها الشكلية، وهندامها،والفضاء التي توجد فيه.
2- دخول يارا قاعة الدرس وتحية تلامذتها: في هذا المقطع نكتشف الفضاء الثاني الذي توجهت إليه يارا بعدما قرع الجرس.إنه قاعة الدرس.ويمتد هذا المقطع عبر خمسة أسطر هو أيضا،متكونا من 27 كلمة،ويشغل الصفحة 4.
ماذا نكتشف في هذا المقطع؟.
إن هذا المقطع السردي يتضمن حوافز كثيرة،يمكن أن نصنفها إلى ملامح تربوية/ نفسية،أو سيكوتربوية والتي نستنبطها على الشكل التالي:
- الشخصية(يارا المعلمة).
- الزمان(صباحا).
- المكان(قاعة الدرس(الصف الثالث "أ").
- الملامح السيكولوجية الخاصة بيارا:(مغتبطة- مسرورة- فرحة).
- الدلالة:(أنها محبة لمهنتها- لها رغبة في العمل- مستعدة له- محبة لتلامذتها- تبعث في الفصل جو الاطمئنان والأمن والأمان- مسالمة( شخصية سوية)- الجانب الوجداني قوي لدى يارا).
- الملامح السيكولوجية الخاصة بالتلاميذ:(الارتياح- الشعور بالأمن والأمان- الشعور بالألفة- الإقبال غلى الدرس بكل فاعلية- حب معلمتهم- مردودية جيدة- القدرة على التعبير(انعدام موقف الخجل أو الخوف)).
كما نكتشف في هذا المقطع – أيضا- مظاهر التربية الفعالة وجوها السائد داخل الفصل الدراسي،والتي يجب أن يسود مثله جميع مدارسنا،حيث يشعر التلميذ أنه في مدرسة يسودها الحب والأمان.مفعمة بالمحبة والإنسانية ، واحترام إنسانية الطفل وطفولته. يجد فيها حياة سعيدة وجميلة وبديلا للبيت.ولذا اعتبر جون ديوي المدرسة حياة وليست إعدادا للحياة. ويارا أعطت صورة المربية المتفتحة،الواعية بأهمية الطفولة واحترام مراحلها،والاهتمام بالجانب النفسي والوجداني في التدريس،وبالتالي تصرفها داخل قاعة الدرس ومع تلامذتها أزال كل بوادر الخوف والرهبة والخجل،وخلق جوا من التواصل الحميمي،والذي يكون له أثر كبير على سير الدرس،والمردودية والفاعلية في السيرورة التعليمية التعلمية.
كل هذه الأشياء تلخصها أربعة أشياء:
- التوجه إلى القسم بفرح وغبطة وسرور (الحالة النفسية ليارا).
- وضع حقيبتها وأوراقها على الطاولة( الفعل الإجرائي الاعتيادي اليومي- جو الأمن والأمان الذي يسود القسم).
- تحية تلامذتها (التواصل الوجداني – الاحترام والتقدير- المحبة).
- رد التلاميذ للتحية الصباحية( التفاعل الوجداني والعاطفي مع معلمتهم يارا).
وهذه الحوافز الأربعة التي حددناها،تزكيها أربعة أفعال سلوكية وردت في هذا المقطع،وهي:(توجهت- وضعت- قالت- أجابت). ولكل فعل سلوكي إجرائي مواصفاته المفسرة لنوعية الإجراء:
|
التوجه الفرح
الغبطة
السرور
|
وضعت الاعتيادية
النظام
الاستعداد المهني
|
قالت الاستعداد للعمل
الثقة في النفس حتها بملاقاة تلامذتها
الشعور بالاطمئنان
|
أجاب التفاعل مع يارا
فرحتهم بملاقاة معلمتهم
تعودهم واعتيادهم هذا الجو وهذا السلوك
من هنا نجد في هذا المقطع جملتين بؤرتين تلخصان كل هذا الجو العاطفي والوجداني الذي يسود الفصل الثالث"أ"،وهما:
تقابل وتكافؤ وجداني وعاطفي يا طلابي= يا معلمتي احترام وتقدير
والجملتان شحنة عاطفية ووجدانية كبيرة ودافقة.كما تنمان عن تواصل فعال بين المعلمة يارا وتلامذتها. لكن الصورة المرافقة لا تتوافق مع المقطع وأحداثه.
3- الارتداد إلى الماضي(استرجاع الذكريات):في هذا المقطع والذي يعتبر أقصر مقطع في القصة،فهو يتكون من سطرين يشتملان على تسع كلمات (عادت بها الأيام عندما كانت طالبة في الصف الثالث).وهذا المقطع يقدم لنا حالة نفسية أساسية،وهي حالة الانفعال الوجداني الذي عاشته يارا لحظة دخولها الفصل،والقيام بإلقاء التحية الصباحية على تلامذتها،وتفاعلهم معها. لقد أحست برعشة عاطفية حركت مواجدها ونقلتها فكريا ووجدانيا من زمن إلى زمن آخر..من الحاضر إلى الماضي البعيد،إلى زمن الطفولة ،زمن الدراسة وارتياد الصف الثالث. هنا عجائبية الحدث وغرائبيته. فلم تذكرت يارا في هذه اللحظة بالذات ذكرياتها وهي في الصف الثالث؟ ولم الصف الثالث بالضبط؟.أهي مصادفة أم أن ذلك مقصود من طرف الكاتب وراويه؟.
نعرف أن الكاتب الأستاذ سهيل عيساوي رجل تربية وتعليم وتدبير إداري.. لذا هو يعرف أهمية الانتقال من المرحلة المتوسطة إلى المرحلة الأخيرة من التعليم الابتدائي.ولذا الطفل في هذه المرحلة مقبل على سلوكات وقيم عليه تشربها والعمل بها. والمدرسة تقدم له مجموعة منها. ومدى تفاعله مع هذه القيم يؤثر على قابل حياته المدرسية،بل حياته الشخصية عامة.
من هنا تذكرت يارا ما أخذته في الصف الثالث عندما كانت تلميذة،وأصبح هذا الفعل جزءا من سلوكها المهني،وأرادت تطبيقه على تلامذتها،وقد نجحت في ذلك،واستطاعت أن تخلق في فصلها جوا من الأمان والمحبة والتواصل الفعال والمتبادل.
4- طلب المعلمة سارة من تلامذتها تخيل مهنة المستقبل:إن هذا المقطع والذي امتد عبر تسعة أسطر،وشغل الصفحة 8و9نومتكونا من 49 كلمة يقدم لنا علم يارا الطفولي،فنجلس معها في فصلها الثالث الذي تدرس فيه،ونقابل معها معلمتها سارة.ونقف إلى الفعل المؤثر الذي قامت به هذه المعلمة وطبع شخصية يارا،وأثر فيها،وهو طلبها من التلاميذ إغماض عينيهم لمدة دقيقة واحدة،وتخيل المهنة التي يحبونها ويريدون ممارستها في المستقبل.
إنه دفع بالطفل الذي ما زال في المرحلة المتوسطة،إلى القيام بفعل استباقي استشرافي،وهو التفكير في هدفية الفعل المدرسي الذي يقوم به ووظيفته.وجعله في موقف نفسي ينظر فيه إلى الشخصية التي يريد أن يكون عليها. هذا أول شيء. كما أن الشيء الثاني والذي تريد المعلمة سارة إيصاله إلى تلامذتها هو أنه يجب قبل الإقدام على شيء ما التفكير فيه والتخطيط له. وهذان الفعلان السلوكيان يؤديان إلى البحث عن وسائل الإنجاز والتحقيق،ومن ثم هي تريد أن تدربهم على أن الحياة تقوم على التنظيم والتخطيط وبناء(وضع) الاستراتيجيات.
لكن السؤال المطروح، هو:لم نربط التخيل أو على الأصح التفكير في مهنة المستقبل بإغماض العينين؟.
إنها حيلة من المعلمة سارة لدفع التلميذ إلى التركيز في الأمر،وإبعاده عن كل المشوشات التي ستعيقه عن التفكير،ومنها الرؤية والالتفات نحو الأصدقاء وما إلى ذلك.
5- عرض التلاميذ لأحلامهم:وهو أطول مقطع في القصة،ويمتد عبر 63 سطرا من الصفحة 10 إلى 28، متشكلا من 390 كلمة،أي أكثر من نصف كلمات القصة كلها(659 كلمة)،محققا بذلك نسبة 59.18%.
وفي هذا المقطع نقف إلى أحلام التلاميذ وتصورهم للمهنة المستقبلية التي يحبون ممارستها،وهذه الأحلام هي كالتالي:
الصفحة
|
الشخصيات الحالمة
|
المهنة المتخيلة
|
الغايات
|
10
|
أحمد
|
مهندس معماري
|
تخطيط البيوت بدقة وإبداع- بناء المدارس ليسعد بها التلاميذ.
|
سامي
|
صحافي
|
رصد آلام الناس- رصد أقوال الساسة- رصد قضايا المجتمع.
| |
فرح
|
طبيبة أطفال
|
إبعاد الآلام عن الأطفال- منحهم الحلوى
| |
12
|
سجود
|
طبيبة أسنان
|
ضرب معاقل السوس- أن ينعم الأطفال بأسنان بيضاء وسليمة
|
ابراهيم
|
طيار مدني
|
التحليق بعيدا –مشاهدة البحار والمحيطات والدول- الطيران فوق السحاب من مكان إلى آخر.
| |
14
|
معتز
|
تاجر كبير
|
السفر إلى الصين لشراء البضائع- الاغتناء
|
خالد
|
نجار مشهور
|
صناعة الأسرة للأطفال- صناعة الأسرة للأزواج الشابة
| |
ديما
|
ممرضة
|
مساعدة الطبيب- ضماد جراح المرضى- تصبح مثل أمها الممرضة
| |
16
|
أسعد
|
تاجر سيارات
|
بيع وشراء السيارات –قيادة أفخرها
|
راما
|
رسامة
|
رسم اللوحات الجميلة- رسم غابة فيها جميع الحيوانات- أن تكون لوحاتها مثل لوحة الموناليزا
| |
18
|
عادل
|
لاعب كرة قدم
|
تسجيل الأهداف مثل ميسي
|
محمد
|
فلاح
|
امتلاء حظيرة أبقار كبيرة- بيع اللحوم
| |
فاضل
|
عالم فضاء
|
الصعود إلى كوكب جديد- النظر إلى الكرة الّارضية من الفضاء
| |
20
|
مها
|
مذيعة في التلفاز
|
تقديم البرامج
|
لؤي
|
محام
|
الدفاع عن الفقراء والمظلومين
| |
رنيم
|
ممثلة
|
إضحاك الناس- طرد همومهم
| |
22
|
مهدي
|
إمام مسجد
|
اعتلاء المنبر يوم الجمعة والخطبة في الناس- إسماعهم المواعظ والحكم
|
حافظ
|
شرطي
|
التخفيف من حوادث السير
| |
ريم
|
مستشارة تربوية
|
الاستماع للتلاميذ –تقديم النصح لهم
| |
24
|
لين
|
شاعرة
|
نظم قصائد المدح والهجاء- التعبير عن مشاعرها بارتياح
|
رامي
|
منقذ بالشاطئ
|
إنقاذ المصطافين من الغرق والموت
| |
26
|
فاطمة
|
مصورة
|
التقاط صور للأطفال- التقاط صور للعرسان
|
ثائر
|
فلاح
|
زرع الخضراوات مثل جده
| |
أمجد
|
بناء
|
بناء البيوت الشاهقة
| |
28
|
يارا
|
معلمة
|
تدرس مثل معلمتها سارة- رسم الابتسامة على وجوه الأطفال- تعليمهم بحب وحنان
|
المجموع:10 صفحات
|
26شخصية (تلميذا)
|
26 مهنة
|
- بعضها مهن خدماتية(تخدم الوطن والإنسان)14 مهنة
- بعضها مهن خاصة تعبر عن رغبة وهواية(6 مهن).
- مهن لإصلاح المجتمع(5 مهن)
|
لكن عندما نتمعن هذه المهن نتساءل: في أي منبت نبتت؟ وفي أي فضاء سترعى هذه الأحلام؟.
بما أن الكاتب سهيل عيساوي فلسطيني الأصل والمنشأ،فهو يقدم لنا شخصيات فلسطينية. فنجد أسماء عربية قديمة تراثية(أحمد- ابراهيم- خالد- محمد- مهدي- حافظ- فاطمة)،وأسماء فلسطينية معاصرة (ديما- راما- لين- يارا) ولكل اسم دلالته.
لكن هل هذه الشخصيات الطفلية الفلسطينية تمتلك وعيا فلسطينيا بالقضية الفلسطينية(الوطنية)؟
فهناك مهن غائبة: أين الجندي/ المقاوم؟والحقوقي المدافع عن القضية الفلسطينية في المحافل الدولية؟أين السياسي المحنك المدافع عن الوحدة الوطنية؟أين الداعية الداعي إلى الائتلاف الوطني،والداعي إلى التسامح والتصالح والتعايش والسلام؟أين الأديب الذي يدخل العالمية من بابها الواسع ويعطي صورة رفيعة عن الإنسان العربي وقضاياه؟
فهل هذه الأحلام المقدمة في (يارا ترسم حلما) هي كل طموح الطفل الفلسطيني/ العربي؟
اللافت للانتباه،هو أن الأسماء الواردة ،فيها اسم صريح يدل على الوجود الفلسطيني الذي راد خنقه،وهو (ثائر).لكن دلالة الاسم لا تتوافق والطموح والحلم الذي يريده أن يتحقق.إنه يريد أن يكون صورة لجده..فلاحا مثله،ينتهي طموحه في زرع الخضراوات والحبوب.
0 التعليقات :
إرسال تعليق